142

[141_2]

يرون أن البلاغة لم تستكمل إلا فيهم، ولم تكن مقصورة إلا عليهم، ولا انقادت إلا لهم، وأنهم محض الأنام، ولباب الكرام، وملح الأيام: عشق منظر، وجودة مخبر، وجزالة منطق، وسهولة لفظ، ونزاهة نفس، واكتمال خصال، حتى لو فاخرت الدنيا بقليل أيامهم، والمأثور من خصالهم، كثير أيام من سوااهم، من لدن آدم أبيهم، إلى النفخ في الصور، وانبعاث أهل القبور، حاشا أنبياء الله المكرمين، وأهل وحيه المرسلين، لما باهت إلا بهم، ولا عولت في الفخر إلا عليهم، ولقد كانوا مع تهذيب أخلاقهم، وكريم أعراقهم، وسعة آفاقهم، ورفق ميثاقهم، ومعسول مذاقهم، وبهاء إشراقهم، ونقاوة أعراضهم، وتهذيب أغراضهم، واكتمابل خلال الخير فيهم، إلى ملء الأرض مثلهم، في جنب محاسن المأمون، كالنفثة في البحر، والخردلة في المهمه القفر. وهذا الكلام على ما فيه من حق في وصف البرامكة والرشيد والمأمون لا يخلو من مبالغة لم تكد تعرفها العرب على هذا الوجه، ومن الصعب أن يتجرد المرء عن دمه الذي ورثه.

شهد سهل هذه المأساة مأساة مقتل بني برمك وقال: إن الرشيد لما قتل جعفرا بعث إليه، وكان معه في الرقة يحصل أرزاق العامة مع يحيى بن خالد. ولما حمل نبأ مقتل جعفر كان سهل بين يدي يحيى يكتب توقيعات في أسفل كتبه لطلاب الحوائج إليه، قد كلفه إكمال معانيها بإقامة الوزن فيها، فلبس ثياب أحزانه، لأنه كان على صلة دائمة بالبرامكة قال: فلما دخلت على الرشيد ومثلت بين يديه عرف الذعر في تحريض ريقي، والتمايد في طريقي، وشخوصي إلى السيف المشهور ببصري فقال: إيها يا سهل، من غمط نعمتي، واعتدي وصيتي، وجانب موافقتي، أعجلته عقوبتي.

قال: فوالله ما وجدت جوابها حتى قال: ليفخ روعك، وليسكن جأشك وتطب نفسك، وتطمئن حواسك. فإن الحاجة إليك، قربت منك، وأبقيت عليك، بما يبسط

Sayfa 141