Arap Edebiyatçılar Abbasi Dönemi
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Türler
فخلفاء هذا العصر كانوا شديدي الحرص على ملكهم، يستحلون كل شيء في سبيل تأييده، فقد تجدهم أعدل خلق الله وأعظمه تسامحا، ثم تجدهم أكثره جورا وتشددا، وهذه الصفات - على تناقضها - تجتمع فيهم محافظة على العرش، وذودا عن حياضه، فإذا نظرت إلى تساهلهم الديني، وإطلاقهم حرية الفكر؛ فلا ينبغي أن تغفل عما كان يعانيه الأفراد والجماعات من ضغط وتنكيل، فالحرية عندهم مكفولة ما دامت بعيدة من سياسة الأحزاب، والتساهل عندهم مباح ما دام لا يؤثر في الملك.
ويجمل بنا أن نوضح هذه المسألة فنقول: إن الشعب العباسي لم يكن عربيا خالصا بل خليط شعوب متعددة؛ فإن المنصور لما بنى بغداد
14
سنة «145ه/762م» وجعلها مقر الخلافة، جمع بين العرب والفرس وأمم أخرى عجمية كانت تسكن العراق، وتدين بالنصرانية وغير النصرانية، ورأى الخلفاء أن العناصر التي تدين بغير الإسلام لم تبرح قوية، وأن عددا غير قليل من الفرس المسلمين لم يكن لهم نصيب وافر من الإيمان؛ لحداثة عهدهم بالإسلام، ولتأثير الدين القديم في نفوسهم، فقضت عليهم مصلحة الدولة بإطلاق حرية الدين؛ فأطلقوها محافظة على الأمن، واسترضاء للعناصر الغريبة.
وكان أكثر هذه الشعوب التي اختلطت بالعرب على جانب عظيم من العلم والحضارة، فرأى الخلفاء أن يستغلوا معارفهم، ويستفيدوا منها؛ فأطلقوا لهم حرية الفكر والقلم؛ فأكبوا على النقل والتأليف، وأتحفوا العربية بكنوز ثمينة كانت العون الأكبر في نهضة العلوم والآداب.
ولئن أفادت حرية الدين والفكر من ناحية لقد أضرت من ناحية أخرى؛ فإنها نشرت الخلاعة والسكر والمجون، وولدت البدع في الإسلام، وأورثت الهزء بالأديان؛ فكثر الشك وكثرت الزندقة.
وأما الحرية السياسية فإن الخلفاء رأوا من الحزم أن يخنقوها؛ لئلا يعرضوا ملكهم للثورات والفتن، فأصبح لا يجرؤ امرؤ على الجهر برأيه ومذهبه إلا ألقى بنفسه إلى التهلكة، وكثرت الجواسيس والوشايات، وكثر الحبس والاغتيال؛ فرب وزير استمتع في يومه بعطف الخليفة وثقته فإذا هو في غده مرذول أو مقتول، ورب شاعر كانت منه فلتة فلاقى في جزائها حبسا أو ضربا أو قتلا إن لم يعاقب بها جميعا.
وحسبك أن تنظر إلى فتك الخلفاء بالوزراء والقواد والعمال وسواهم، وفتك هؤلاء بمن دونهم؛ لتتبين ما كان في هذا العصر من عسف واضطهاد ووشايات ودسائس.
وجماع القول أن العصر العباسي الأول يمتاز بالنفوذ الفارسي، وحرية الفكر، والتساهل الديني، ولكن ينبغي أن نضع دون هذه الميزات مصلحة المملكة؛ فعندها يقف كل نفوذ، وكل حرية وتساهل.
هوامش
Bilinmeyen sayfa