وقص الله عز وجل ما تقدم ذكره في حق أنبيائه -صلوات الله عليهم- وأشار في معنى توخي التهمة في القصص أيضا عن أنبيائه وأوليائه-صلوات الله عليهم- بما يقتضي أن توخى تهمة الطمع أو الجور أو ارتكاب المفسدة، وإن عارضته مفسدة أخرى تجب إشارة لأربابه على مقابله. فحكى عن يوسف-صلوات الله عليه- {هي راودتني عن نفسي} مع ما يترتب على ذلك من أذيته بالسجن وغيره، كما كان ذلك أهون من نسبة ما أرادت نسبته إليه إذ إذائه -عليه السلام- بالسجن وغيره من كبار المعاصي، وكمل ذلك في قصته -عليه السلام- وقد أرسل إليه الملك ليطلقه عن السجن وهو من المصالح بل من دفع المكاسب أن قال:{ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } الآيات. مع أنه تذكير بأمر منسي. ولما أذن الله عز وجل بأخذ أخيه توسل إليه بما شرعه الله له وأذن فيه من الذريعة التي تنفي عنه -عليه السلام- الظلم والجور، وإن كان فيها نسبة السرق إلى أخيه لتفاوت ما بين حالتيهما في اعتبار دفع المفسدة [15/ب]، وحكي عن مؤمن آل ياسين -سلام الله عليه- لما أعياه أمر قومه، وهو كاتم لإيمانه أنه صرح بقوله للمرسلين: {إني آمنت بربكم فاسمعون } مع أن ذلك أفضى كما في الأخبار إلى قتله؛ لكنه كان مفسدته أهون من مفسدة اعتقاد أنه لم يؤمن، ولذلك قال: فاسمعون، وجاء في الخبر عن النبي قوله: ((إنها صفية))، لمن رآه فسايرها لما كان مفسدة تجويز أن يظن به سوء طهره الله عنه أهون من مفسدة تجويزه أن الرائي ممن يظن ذلك، مع أنه قد جوز في حقه المعصية وهي ظن السوء به ، وجاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-: (فإن أسكت يقولوا جزع من الموت، وإن أقل يقولوا حرصا على الملك)، ولا واسطة بين القول والسكوت. فاختار السكوت -عليه السلام- كما ذلك معلوم من حاله لما كان مفسدة اعتقادهم أو دعواهم عليه أنه حرص على الملك أعظم من مفسدة اعتقادهم أنه جزع من الموت، إلى غير ذلك مما لا يحصى مما يستنبط من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه، ومن أقوال أئمة الهدى وسيرهم.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
Sayfa 154