قلت: ومعنى هذا الكلام راجع إلى صفة العلم بعينها. (قلنا: إرادته التخلية في هذه الدار) أي دار الدنيا بخلاف الآخره فأحكامها غير أحكام الدنيا، قال سبحانه: {مالك يوم الدين}، وقال: {والأمر يومئذ لله} (بين العبد وإرادته) مع أفعاله ليخرج الخطا والإكراه (تنفي) أي التخلية (المغالبة) لله سبحانه، لأنها تخيير للعبد فتنافي أيضا إرادة الله لأحد المخيرين بخصوصه، وإن أراد سببه من لطف أو فتنة كما تقدم في تأويل الآيات الموهمة تعلق مشية الله بطاعة العبد مثل {وما تشاوؤن إلا أن يشاء الله} {وما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} فهي مثل {وما كان لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله}والسمع وإن ورد بما شاء الله كان فلم يرد بما كان فقد شاءه الله والموجبة الكلية إنما تنعكس جزئية، وأما ما يروى من زيادة ومالم يشاء لم يكن فمع أنه لا صحة له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينافي تأويل الآيات المذكورة، لأنه يكون في قوة ومالا يشاء من أفعاله إذ الأولى في قوة ما شاء الله من أفعاله كان فكذا الثانية لأن الإرادة لا تتعلق بفعل الغير كما سيأتي (وبأن الارادة) هذا مزيد تحقيق لتعريف الآرادة، وقد تقدم طرف من ذلك (لا تتعلق بفعل الغير كسبا كان) المراد (أو غيره) من علم أو نفس المراد على الخلاف (لما قلنا في تعلق الاعتبار بفعل الغير فيما تقدم) في الرد على الكسبية (لأن الاعتبار إرادة) وقد تقدم كلام صاحب الإيثار (ولأنها) أي الإرادة (مؤثرة في جعل الفعل على وجوه واعتبارات) من حسن وقبح وشكل وبطو وسرعة) ويستحيل تخصيص إرادة الغير لفعل غيره) أي غير المريد (بوجوهه واعتباراته) وإن تعلقت بسببه من لطف أوفتنة فإن ارادة السبب لا تستلزم إرادة المسبب كما سيأتي، ولنا على المخالف أنا أجمعنا نحن وهم أن الله لا يوصف بما فيه نقص ولا بالمرجوح بل بالأرجح، وأنه يجب على كل مؤمن الرضى بقضاء الله وإرادته وتقديره فلو كان المعاصي بقضاه وارادته لوجب علينا الرضا بها ومن جملة ذلك الظلم وهو قبيح عقلا وكذا عدم رد الوديعة إلى غير ذلك من القبايح وهو يقول: {ولله الأسماء الحسنى}، ويقول: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حآد الله ورسوله} وغير ذلك من الآيات والأخبار ولسنا نمنع زيادة اللطف والهداية والإعانة من الله للمؤمن المطيع المستجب للدعاء من الله في قوله: {والله يدعو إلى دار السلام يريد الله أن يتوب عليكم}، وقوله: {يحب التوابين ويحب المتطهرين}.
قال سبحانه: {والذين اهتدوا زاداهم هدى} وغير ذلك ولا يبعد أن هذه الإرادة هي المقابلهة للمحبة.
ومع أن الصفات الذاتية لا يمكن الوقوف على حقيقتها فما بالنا لا نقتصر عن مدارك الغيوب ولو كان ذلك من غيرنا لجعلنا ذلك الفعل من أشنع العيوب بل قد خفي علينا الاجتماع والافتراق والحركة والسكون من جهتنا هل هي ذات أو صفة أو أحوال وهل حقيقية أو أضافية نسأل الله التوفيق.
Sayfa 18