1
فترة من الزمن.
التحم فيها الاسكتلنديون مع الإنجليز،
إلا وكان من عجيب الأمور
ألا يجري الدم القاني في الطريق
متدفقا كما تتدفق مياه الأمطار.
موقعة أوتر بورن
انضم إلى صفوف المسيحيين عدد عديد من المقاتلين الاسكتلنديين، وكان من الطبيعي أن ينضووا تحت لواء ملك الإنجليز، فلقد كان أكثرهم - كما كان الجنود من مواطنيه - من أصل سكسوني أو نورماندي، وينطقون بلسانهم، وبعضهم يمتلك عقارا في إنجلترا كما يملك في اسكتلندا، وتربط بعضهم ببعض أواصر الدم وعرى التزاوج؛ كما أن عصرنا هذا يسبق العصر الذي امتدت فيه مطامح إدوارد الأول العظيمة، واتسعت حتى نفثت بين الأمتين سما زعافا، وجعلت الحرب بينهما مهلكة ضروسا، فكان الإنجليز يحاربون لإخضاع اسكتلندا، والاسكتلنديين بعزمهم الصارم وعنادهم الذي تميزت به أمتهم في كل العصور، يحاربون للدفاع عن استقلالهم، بأعنف الوسائل وتحت أسوأ الظروف، مستهدفين لأشد المخاطر. أما الآن فكانت الحروب بين الأمتين - رغم حدتها وتكرار وقوعها - تقوم على مبادئ العداوة العادلة، وتتسع رقعتها لظلال دمثة، تجد فيها الرأفة والاحترام الواجب نحو خصوم صرحاء كرماء، سبيلهما لأن يلطفا ويخففا من مفازع القتال؛ ولذا ففي أوقات السلم، وبخاصة حينما تكون الأمتان - كما هما الآن - مشتبكتين في حرب نشبت في سبيل داع واحد مشترك، حرب جعلتها عقائدهم الدينية عزيزة على النفوس، كان المخاطرون البواسل من الدولتين يقاتلون جنبا إلى جنب، وليس للمنافسة الوطنية من أثر، إلا أن تعمل على حثهما على أن تبز كل منهما الأخرى في جهادها في وجه العدو المشترك.
وكان رتشارد يتصف بالصراحة والخلق الحربي، لا يفرق بين رعيته الخاصة، وبين رعية وليم ملك اسكتلندا، إلا بمقدار ما يظهرون من شجاعة وإقدام في ساحة الوغى؛ يسعى جهده لأن يوفق بين الأمتين؛ ولكن لما وقع الملك فريسة للمرض، وساءت ظروف الصليبيين، عاد إلى الظهور ذلك التنافر بين الفرقتين اللتين لم يؤلف بين صفوفهما إلا الحرب الصليبية، كما تنفجر الجراح العتيقة من جديد في جسم الإنسان من تأثير مرض أو هزال.
والاسكتلنديون والإنجليز كلاهما غيور حاد الطبع؛ في نفسه أهبة لأن يسيء الظن بالآخر - والاسكتلنديون أشد من الإنجليز إحساسا بهذا، لأنهم أكثر الأمتين ضعفا وعوزا - فأخذ أبناء الأمتين يشغلون بالشقاق الداخلي تلك الفترة التي حرمت عليهم الهدنة فيها القتال مع العرب. والاسكتلنديون - كزعماء الرومان الأقدمين - لا يرضون لغيرهم أن يعلو عليهم، كما أن جيرانهم، أهل الجنوب، لا يطيقون المساواة، فتبادلوا التهم والسباب، وحط كل فريق من شأن الآخر، سواء في ذلك عامة الجند وقادتهم وزعماؤهم، الذين كانوا خير صحاب وقت الظفر، كأن وحدتهم لم تكن حينئذ ألزم لهم من أي زمن مضى، لا لنجاح مسعاهم المشترك فحسب، وإنما لسلامتهم جميعا كذلك. وبدأ مثل هذا التنافر يظهر كذلك بين الفرنسيين والإنجليز، والإيطاليين والألمان، بل وبين الدنماركيين والسويديين، ولكنا سنعنى في روايتنا هنا قبل كل شيء بما كان من شقاق وانفصام بين أمتين تغذيهما جزيرة واحدة، وهما لذلك أشد تحرشا إحداهما بالأخرى.
Bilinmeyen sayfa