وفي ذلك الحين كانت أديث كأنها ترتقب ما تأمر به الملكة، وكأن الملكة قد أحجمت عن الكلام خشية أن يفلت زمام نفسها منها، فلا تستطيع لضحكها أو لضحك زميلاتها ردا، لأن السير كنث لم يستطع أن يميز أكثر من صوت كأنه صوت ضحكات محبوسة ومرح مكبوت.
وأخيرا قالت أديث: «يظهر أن لجلالتك الآن مزاجا طروبا، وإن كنت أرى أن هذه الساعة من الليل تحث على الميل إلى النوم. ولقد كنت في فراشي راغبة، حتى أتاني أمر جلالتك بأن أمثل لديك.»
فقالت الملكة: «لن أستأخرك يا ابنة العم طويلا على راحتك، وإن كنت أخشى أن تنامي نوما عميقا حينما أقول لك إنك قد خسرت الرهان.»
فأجابت أديث وقالت: «كلا يا مولاتي الملكة، ما هذا حقا إلا إصرار منك على فكاهة أوشكت أن تبلى؛ إني لم أراهن على شيء رغم إلحاح جلالتك بأني فعلت ذلك.» «كلا، ولكن رغم حجنا إلى هنا فما فتئ للشيطان عليك يا ابنة العم الكريمة سلطان عظيم، وإنه ليدفع بك إلى المخاتلة والخداع . هل تنكرين أنك قد رهنت خاتمك الياقوتي تلقاء سواري الذهبي على أن فارس النمر ذاك - أو أيا كان ما تسمينه به - لا يمكن أن يغرى عن أداء واجبه؟»
فأجابت أديث قائلة: «إن جلالتك أعظم من أن أعارض، ولكن هؤلاء السيدات يستطعن - إن أردن - أن يؤيدنني في أن جلالتك هي التي تقدمت بهذا الرهان، وأخذت الخاتم من إصبعي، رغم أني كنت أعلن صراحة أنني لم أر من الخير في شيء أن أراهن بأي شيء في هذه السبيل.»
فرد عليها صوت آخر قائلا: «ولكن ينبغي يا سيدتي أديث أن تسلمي راضية بأنك قد بحت بشديد ثقتك في بسالة هذا الفارس عينه؛ فارس النمر.»
فقالت أديث غاضبة: «هبيني فعلت ذلك يا حبيبتي! فهل في هذا ما يبرر أن ترفعي صوتك تداهنين جلالة الملكة في مزاحها؟ إنني لم أذكر عن هذا الفارس إلا ما يذكر عنه كل رجل رآه وهو في ساحة الوغى، وليس لي في الذود عنه هوى أكثر مما لك في الانتقاص منه. بماذا عسى النساء أن يتحدثن في المعسكر غير رجال الحرب وأعمال القتال؟»
فأجاب صوت ثالث قائلا: «إن السيدة أديث الكريمة ما عفت قط عن «كالستا» أو عني مذ ذكرنا لجلالتك أنها أسقطت من يدها زهرتين في المعبد.»
فقالت أديث بنغمة كانت فيما يرى السير كنث عتابا لطيفا: «إذا لم يكن لجلالتك أمر غير أن أستمع إلى سخرية وصيفاتك، فهل لي أن أستأذنك في الانصراف؟»
فقالت الملكة: «صه يا فلورنس، ولا يدفعنك تهاوننا إلى تجاهل ما بينك وبين قريبات الملك من فارق.» ثم استأنفت الكلام مستعيدة نغمة التهكم والتعنيف، وقالت: «أما أنت يا ابنة العم العزيزة، فكيف لك - وأنت دمثة الطبع - أن تضني علينا نحن البائسات ببضع دقائق نتضاحك فيها بعد ما مرت بنا أيام عديدة صرفناها جميعا باكيات نتميز من الغيظ؟»
Bilinmeyen sayfa