ثلاث مائة سنة وثلاثًا وستين سنة، فلما حضرته الوفاة ساهم بين بنيه فصارت الصحيفة إلى عابر بن شالخ فأوصى شالخ إلى ابنه عابر فولي أمر الناس عابر بالحق والعدل فبنى المجدل وحلب النهر والصحيفة عنده لا يعلم ما فيها حتى أراد الله تفرقة الألسن للذي سبق في علمه لظهور الحجة. قال الله ﴿واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين﴾.
قال وهب: وإن عابر رأى في منامه كأن بابًا من السماء فتح له ونزل منه ملك فأخذ بيديه فأقامه قائمًا فشق صدره ونزع قلبه فشقه وغسله ثم أطبقه فعاد صحيحًا كما كان ثم رده في صدره وريده فعاد سويًا. فلما أصبح داخلته وحشة
وهيام منها فتوارى عن أخوته وقومه وأنكره أهله وولده وامتنع من الطعام. فلما رأى إلى فراشه رأى كما رأى في الليلة الأولى، فرأى كأن الملك آتاه فأخذ بيديه وأقامه على نفسه ثم قال: هات الصحيفة يا عبر فأتى بالصحيفة عابر فقال له الملك: اقرأ يا عابر، قال له عابر: ما الذي اقرأ؟ قال: (اقرأ (شهد الله بالحق بسم الله الرحمن الرحيم شهد الله إنه لا إله إلا هو). إلى آخر الصحيفة ثم قرأها معه مرارًا فلما أصبح عابر ازداد وحشة وفرارًا من قومه، فقالوا: أن عابر خولط في عقله، فجعلوا يحرسونه وهو يتوارى عنهم بالصحيفة يتذاكر ما علمه الملك ويتدبر الأحرف بعقله وافتراقها كيف واتصالها كيف نهاره أجمع. فلما أوى إلى فراشه عادت
1 / 36