Modern Şiir Devrimi: Baudelaire'den Günümüze (Birinci Kısım) - Çalışma
ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة
Türler
إن اللغة الشعرية تنفصل أو تنعزل عن لغة الإفادة أو تدور حول نفسها، والشاعر الذي ينطق بهذه اللغة ينعزل بالضرورة أيضا. إنه في نظر الناس «مسكين» أو «مريض» جدير بالرثاء. بل قد يصفه البعض بالحمق والجنون والانحلال، ويندد بخطره على أوروبا! ولكنه لهذا السبب نفسه رجل يعرف كيف يتعامل مع «المواد شديدة الانفجار» التي يصطدم بها في عمله مع اللغة (ص651).
كل هذه كما نرى خطوات على الطريق الذي أشار إليه روسو وديدرو ومن بعدهما إدجار بو وبودلير. إنه الطريق الذي يسير عليه الشاعر أو العبقري فيبتعد عن المجتمع أو يبتعد عنه المجتمع، وقد كان مالارميه يملك من السخرية والتهكم ما جعله يصف الشعر أحيانا بأوصاف تساوي الحكم عليه بالإعدام في نظر القراء والنقاد العاديين. إنه يقول عن الكتابة والأدب كله «ما الهدف من هذا كله؟ إنه اللعب» (ص647). أو يقول إنه «بريق الكذب.» وليس المقصود باللعب هو العبث، وإنما المقصود به هو التحرر من الهدف والغاية والمنفعة، بل الحرية المطلقة للروح الخلاق. أما المراد من بريق الكذب فهو أن كل ما ينتجه الأديب «لا واقع»، وكل ما يصل إليه شيء مؤقت إذا قيس بصعوبة رسالته وخطورتها. (7) العدم والشكل
لم يقف عناء مالارميه عند هذا الحد. لقد بذل كل جهده لإحكام شكل البيت، وحافظ على قواعد الوزن، وقوانين القافية، وتقسيم المقاطع. ولكننا حين نقرأ شعره نواجه بمفارقة غريبة، إذ لا نلبث أن نكتشف أن دقة الشكل عنده تتعارض مع غموض المضمون وعدم تحدده. يقول مالارميه في إحدى رسائله التي كتبها سنة 1885م: «كلما وسعنا من مضموناتنا، وكلما «رققنا» أو «خففنا» منها، كلما كان علينا أن نربط بينها في أبيات محددة المعالم، ملموسة، يتعذر نسيانها.» هذا التعارض الذي تشير إليه العبارة بين المضمون المخفف (من المادة بالطبع!) وبين الشكل المحكم المترابط هو في الحقيقة تعارض بين الخطر ووسيلة النجاة، وقد لاحظنا مثله في كلامنا السابق عن بودلير.
ويكتب مالارميه عبارة أخرى في إحدى رسائله المبكرة سنة 1866م يمكن أن نجد فيها إشارة إلى الخلفية الأنطولوجية التي يبني عليها عالمه الشعري والتي تتصل عنده كذلك بالشكل ووظيفته. والعبارة تقول: «وجدت الجمال بعد أن وجدت العدم.» ومن حقنا بالطبع أن نفهم الجمال على أنه جمال الأشكال الموزونة الكاملة، فإذا أردنا أن نفهمه من الناحية الأنطولوجية (التي ألمح إليها في هذه العبارة وإن لم يوضحها إلا في مرحلة متأخرة) أمكننا أن نقول إن مالارميه يربط فيها بين العدم (أو المطلق) وبين الكلمة (أو اللوجوس). فالكلمة في المكان الذي يولد فيه العدم ويدرك وجوده.
ونستطيع أن نتوسع في هذا الفهم قليلا إذا وضعناه في إطار التراث الفكري الفرنسي - أو الروماني بمعنى أوسع - الذي يعتبر الأشكال الأدبية مظاهر للكلمة. فشعر مالارميه الذي يلغي الواقع ويحطمه، يحاول في نفس الوقت أن يحقق الجمال في اللغة والكمال في الشكل. ولذلك تصبح الأوزان والإيقاعات الدقيقة المحكمة بمثابة الوعاء المنقذ الذي يحتوي الواقع الذي ألغاه أو «أعدمه» من الناحية الموضوعية، وسنرى فيما بعد أن الشعراء المعاصرين قد أسقطوا هذا التبرير الأنطولوجي للشكل من حسابهم.
ولكن هؤلاء الشعراء - مثل فاليري وجيان ومن تأثر بهما أو جرى مجراهما - سيثبتون أن الشعر، مع كل ما فيه من تجريد شديد وتعدد في معاني الكلمات؛ يحتاج أشد الحاجة إلى أحكام الشكل، لكي يكون سندا يعتمد عليه في المكان المجرد من الأشياء وطريقا ومعيارا للغناء. ويصبح الشكل هو طوق النجاة للشعر المحض الذي تسبح أغانيه في عالم لا واقعي حطم الأشياء وألغاها (من أدل الكلمات على هذا ما يقوله الشاعر الألماني جوتفريد بن عن قدرة العدم على إزكاء الشكل). ويؤكد كلام مالارميه عن الشكل - إذا أخذناه في سياقه التاريخي - أن الانفصال الذي بدأ منذ القرن الثامن عشر بين الجمال والصدق قد أصبح انفصالا نهائيا. ولا شك أن جمال الشكل المطلق يؤكد أيضا أن الكلمة الإنسانية لا يخبو نورها ولا تذبل روعتها حتى ولو وقفت أمام العدم وجها لوجه. وقديما قيل: في البدء كانت الكلمة. واليوم نقول: وفي النهاية أيضا. إن لغة الإنسان هي مجده، ولغة الشاعر هي موضع مجده وعذابه ومغامرته ووحدته. وماذا يبقى سواها، بعد أن أصبح الواقع غريبا عنه، وأصبح هو غريبا عن الواقع؟ (8) قول ما لا يقال
يعاني قارئ الشعر الحديث معاناة شديدة في فهمه وتذوقه. وتشتد معاناته وتصل في أكثر الأحيان إلى حدود اليأس إذا قرأ مالارميه! والحق أن صعوبة الشعر الحديث وتعقيد لغته ظاهرة ينبغي ألا ننظر إليها منفصلة عن ظواهره الأخرى، وإن كانت بالطبع أشدها غرابة وشذوذا وتطرفا. ويبدو أن مالارميه قد وضع هذا الأمر في حسابه، واقتنع بأنه يكتب لعدد قليل من القراء أو نخبة منهم كما كان يؤثر دائما أن يقول، هذا إذا كان قد فكر في القراء على الإطلاق! وقد حاول في كثير من تأملاته وخواطره (مثل التنويعات على لحن واحد، والموسيقى والآداب، وكتاباته النثرية المتفرقة) أن يبرر لغته العسيرة المتميزة. وهذه التأملات والخواطر تكاد تدور حول فكرة واحدة هي أن من واجب الأديب أن يعيد للغة تلك الحرية التي تجعلها تتقبل «بروق المنطق الأولى» (ص386)، وألا يسمح بأن تستهلك في أغراض الإفادة والتوصيل أو تتجمد في كليشيهات وصيغ محفوظة تمنع الفكر والشعر من أن يقولا شيئا جديدا كل الجدة. والإبداع الشعرى معناه عنده تجديد فعل الخلق اللغوي الأصيل تجديدا حاسما بحيث يكون القول على الدوام هو قول ما لا يقال (ص386).
والمتأمل لهذه الخواطر يعرف أنها قد قيلت من قبل صراحة أو ضمنا في أعمال كثير من الشعراء والمتصوفين، ولكن الفرق كبير بين خاطرة ترد صدفة هنا أو هناك وأخرى يصل بها صاحبها إلى غايتها ويجعل منها مبدأ أو قانونا يسير عليه من الناحيتين النظرية والعملية. ولقد حاول مالارميه في إنتاجه أن يحتفظ «للقول الذي لا يقال» ببدائيته وأصالته الأولى، بحيث تحميه صعوبته من كل فهم محدود، وتقيه من السير في الطرق العادية المألوفة. إن الكلمة الشعرية عنده لا تريد أن تكون مجرد درجة قصوى من درجات اللغة المفهومة، بل تريد أن تكون نشازا صريحا لكل لغة سوية أو عادية.
مثل هذا الهدف غير العادي يحتاج بالطبع إلى وسائل غير عادية، تخالف في معظم الأحيان قواعد النحويين في بناء الجملة أو تصريف الكلمة أو ترتيب العبارة. مثال ذلك أن نجد في أشعاره أفعالا في حالة المصدر المطلق (بدلا من حالة الإعراب المنتظرة) أو أسماء الفاعل والمفعول في الحالة التي تعرف في اللغة اللاتينية باسم مفعول الأداة المطلق
ablativus absolutus
Bilinmeyen sayfa