فغمغم بعلزبول كأنه يكلم نفسه: كيف ترحل من غير أن أتمتع برؤية ذلك الجمال البارع الذي يقولون أنه فاتن.
ثم وجه الخطاب إلى الحضار قائلا: دعوها الآن فنقرر أمر مصيرها بعد تقرير أمرنا، أتوافقون على رأي جستوس بأن نسامح أرجنتوس لأنه مغرور؟
فوافقوا. - إذن أتم تلاوة تقريرك يا جستوس، تقولون: إن تلك القديسة جاءت لكي تدعو الأبالسة إلى التوبة، فيصفح الله عنا، وندخل إلى الأرض مسالمين بموكب بهيج، فكيف أحدث وجودها فتنة أفضت إلى ثورة؟ - تلك الفتنة نفسها خبلت عقل فيرومارس ... - عندي علم أنه كان ينوي أن يقمع الثورة بقوة الجيش لكي يبقى بعد القمع ديكتاتورا، فيجب أن يقطع رأسه في الحال. - عفوا يا مولاي، تظلمه؛ لأنك تقاصه قبل أن ترتكب الجريمة. - أما كانت هذه نيته؟! - من يدري وهو لم يفعل؟ وإن كانت هذه نيته فهو معذور لأنه كان مخبولا تحت تأثير الفتنة. - إذن لا بد من قطع رأس الفاتنة. - لا بل الفاتن يا سيدي. - من هو؟ - رسبوتين الذي رقيناه إلى رتبة رجيم، فهو الذي بدهائه الساحر خبل عقلي فيرومارس وأرجنتوس.
فبهت عزرائيل ثم قال: يكاد عقلي يتضعضع من هذا الكلام! لا أستطيع أن أفهم كيف أن عقل الداهيتين أرجنتوس وفيرومارس ينصرع تحت تأثير سحر رجيم دخيل مثل رسبوتين! فأين سحر دهائهما؟ ويلكم نحن ابتدعنا السحر!
فقال جستوس: إن سحر دهاء الأبالسة يتبدد أمام سحر دهاء البشر، كما تبدد سحر سحرة المصريين أمام سحر موسى. - إذن آتوني برسبوتين هذا لكي أتمتع بضرب عنقه. - حاذر يا مولاي! الثورة لم تخمد بعد، إذا ضربت عنقه اشرأبت ألوف الأعناق البشرية بدهاء يطبق سقف جهنم على دركها الأسفل. - إذن لم يكن رسبوتين وحده ال ... - لا بل جميع الذين قبضنا عليهم هم زعماء الدهاء الذين حرضوا على الثورة! - ويحهم! ماذا يريد هؤلاء الأنجاس. - يريدون أن يغتصب البشر الجهنميون الحكم من الأبالسة، فتصبح الدولة الجهنمية بشرية والأبالسة عبدا للبشر.
فهاج بعلزبول وماج وقال: أونصبر حتى الآن على هؤلاء الطغام؟! يجب أن أسحقهم سحقا في الحال. - حلمك يا سيدي، عد العشرة إلى أن يهدأ غضبك، ثم نبحث في أمرهم.
فصمت بعلزبول برهة وهو يفكر منفعلا إلى أن قال: «طيب» ما رأيكم في معاقبة هؤلاء البشريين الذين جاءوا إلى جهنم لكي يزيدوا شقاءنا فيها؟
فقال جستوس: إذا شئت ثبوت أساس الملك يا سيدي فاسمع الحكم من دار العدل بلسان جستوس وزيرها. - ماذا؟ - لا أصوب من نفي هؤلاء البشر الدهاة الفاتنين. - إلى أين؟ الأرض لم تعد تقبلهم، والسماء نبذتهم منذ الأزل. - على الزميل أنفنتورس وزير الاختراع أن يعد سفينة أثيرية تقلهم إلى الفضاء المجهول؛ حيث يطرحون في أوقيانوس الأثير، ويبقون فيه تائهين إلى الأبد. - رأي صائب، ادعهم إلى هنا لكي أسمعهم نص الحكم عليهم. •••
في هنيهات كان رسبوتين وزملاؤه من عظماء أشرار التاريخ إلى اليوم مصطفين لدى مجلس الرجماء، وأمائر المكر والدهاء تتلاعب في وجوههم، فرفع بعلزبول نظره فيهم وقال: أيها الماكرون الملاعين! لقد رحبنا بكم إذ نبذتكم الأرض إلينا، وأكرمنا وفادتكم وأنزلناكم منا منزلة الإخوان الأصفياء لكي تكونوا أعوانا لنا في جهادنا لغزو الملكوت الأرضي، فإذا بكم تسعون المساعي الخبيثة لكي تغتصبوا الملكوت الجهنمي، تبا لكم لقد أفسدتم قلوب الأبالسة وعثتم في جهنم فسادا، وعكرتم الصفاء بين رعاياي وقلقلتم السلام في مملكتي.
عني أيها الملاعين الخبثاء إلى الأوقيانوس اللامتناهي، لعل شعبي يطمئن بعد نفيكم ويهدأ ثائره، هذا حكمي على كل بشري يبدو منه مكر في جهنم، فعلى مدير قلم المطبوعات إذاعة هذا الحكم، وعلى الزعيم أنفنتورس تنفيذه!
Bilinmeyen sayfa