فعادني رسول الله ﷺ، فلما كان من الغد أفاق بعض الإفاقة، ثم خرج ولقيه النبي ﷺ، فقال: "أرأيت لو أن عينيك لما بهما ما كنت صانعا؟ "، قال: "كنت أصبر وأحتسب"، قال: " أما والله لو كانا عينيك لما بهما، ثم صبرت واحتسبت، ثم مت، لقيت الله تعالى ولا ذنب لك"، رواه البيهقى١.
ومنها، عن عكرمة، قال: مر عمر بن الخطاب ﵁ برجل مبتلى أجذم، أعمى، أصم، أبكم، فقال لمن معه: هل ترون في هذا من نعم الله تعالى شيئا، قالوا: لا، قال: بلى، ألا ترونه ييول فلا يعتصر٢، ولا يلتوي، يخرج به بوله سهلا، فهذه نعمة من الله تعالى. رواه عبد٣ بن حميد. ولا يخفى أنه ﷾ قال: ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ ٤، أي لا تطيقوا عدها بذكرها، فضلا عن القيام بشكرها٥.
_________
١، في شعب الإيمان/ باب عيادة المريض ٦/٥٣٦، رقم (٩١٩١)، وقال: تابعه حجاج بن محمد عن يونس ابن أبي إسحاق.
٢ في النسختين أيقتصر.
٣ لم أقف عليه في [المنتخب]، من مسند عبد بن حميد، وقد أورده المتقى الهندي في كتابه: كنز العمال: ٣/٧٥١، رقم ٨٦٥٤
٤ الآية ٣٤ من سورة إبراهيم، و١١٨ من سورة النحل.
٥جامع البيان ٧/٤٥٩، معالم التنزيل ٤/٣٥٤، زاد المسير ٤/٣٦٥، الجامع للقرطبي٩/٣٦٧.
قال العلامة الشوكاني في فتح القدير ٣/١١٠ عند كلامه على هذه الآية: " قوله تعالى: ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ أي: وإن تتعرضوا لتعداد نعم الله التي أنعم بها عليكم إجمالا، فضلا عن التفصيل، لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه، ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال، وأصل الإحصاء: أن الحاسب إذا بلغ عقدا معينا من عقود الأعداد، وضع حصاة ليحفظه بها، ومعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد، أن يحصي ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه، أو حاسمة من حواسه، لم يقدر على ذلك قط، ولا أمكنه أصلا، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلق الله في بدنه؟، فكيف بما عدا ذلك. من النعم الواصلة إليه في كل وقلب على تنوعها، واختلاف أجناسها؟، اللهم إنا نشكرك على كل نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلا أنت، ومما علمناه، شكرا لا يحيط به حصر، ولا يحصره عد، وعدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان، في كل زمان". انتهى،
وقال- ﵀ في موضع آخر من تفسيره ٣/١٥٤: "إن كل جزء من أجزاء الإنسان لو ظهر فيه أدنى خلل، وأيسر نقص، لتغص النعم على الإنسان، وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت في ملكه حتى يزول عنه ذلك الخلل، فهو سبحانه يدير بدن هذا الإنسان على الوجه الملائم له، مع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك، فكيف يطيق حصر بعض نعم الله تعالى عليه؟، أو يقدر على إحصائها؟، أو يتمكن من شكر أدناها؟!. يا ربنا هذه نواصينا بيدك، خاضعة لعظيم نعمك، معترفة بالعجز عن بادية الشكر لشيء منها، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ولا نطيق التعبير بالشكر لك، فتجاوز عنا، واغفر لنا، وأسبل ذيول سترك على عوراتنا، فإنك إن لا تفعل ذلك نهلك بمجرد التقصير في شكر نعمك، فكيف! بما قد فرط منا من التساهل في الائتمار بأوامرك، والانتهاء عن مناهيك.
1 / 41