التجَوُّزِ عندَ الأُصُولِيِّينَ، فلا يكونُ نَدْبٌ ولا كراهةٌ إلاَّ في فِعْلِ المكلَّفِ، وهذا أمرٌ مفروغٌ منه عندَ الأُصُولِيِّينَ، نَبَّهُوا عليه بقولِهِم: المُتَعَلِّقُ بأفعالِ المكلَّفِينَ. كذا قالَه المصنِّفُ، وسَبَقَه إليه الهِنْدِيُّ، فقالَ: الدليلُ على أنَّه لا يَتَعَلَّقُ بفعلِ الصبيِّ حُكْمٌ شرعيٌّ، الإجماعُ؛ فإنَّ الأُمَّةَ أَجْمَعَتْ على أنَّ شرطَ التكليفِ العقلُ والبلوغُ، وإذا انْتَفَى التكليفُ عنهم؛ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، انْتَفَى الحكمُ الشرعيُّ عن أفعالِهم، والمعنى مِن تَعَلُّقِ الضمانِ بإتلافِ الصبِيِّ أمرُ الولِيِّ بإخراجِهِ من مالِهِ.
وقالَ الشيخُ تَقِيُّ الدينِ: عَبَّرَ بعضُهم بأفعالِ العبادِ؛ لِيَشْمَلَ الضمانَ المُتَعَلِّقَ بِفِعْلِ الصبِيِّ والمجنونِ. ومَنِ اعْتَبَرَ التكليفَ، رَدَّ ذلك الحُكْمَ إلى الوَلِيِّ، وتكليفُه بأداءِ قَدْرِ الواجِبِ.
قلتُ: وكذا القولُ في إتلافِ البَهيمةِ ونحوِهِ؛ فإنَّه حُكْمٌ شرعيٌّ، وليسَ مُتَعَلِّقًا بفعلِ المكلَّفِ، والحاصلُ رَدُّهُ إلى التعلُّقِ بفعلِ المكلَّفِ، إلاَّ أنَّ التَّعَلُّقَ تارَةً يكونُ بواسطةٍ، وتَارَةً يكونُ بغيرِ واسطةٍ، وكذا القولُ فيما يَثْبُتُ بِخِطَابِ الوضعِ على أحدِ الأقوالِ؛ فإنَّ الزوالَ سببٌ لوجوبِ الصلاةِ، وهو مُتَعَلِّقٌ بفعلِ مُكَلَّفٍ؛ إذ مُوجِبُهُ وُجُوبُ الصلاةِ، لا أنَّه بِوَاسِطَةٍ، وقد أُورِدَ على المصنِّفِ أنَّه كانَ يَنْبَغِي أنْ يَزِيدَ: به، فيقولَ: مِن حيثُ إنَّه مُكَلَّفٌ به؛ لأنَّ الخطابَ من الشارِعِ لا يكونُ إلاَّ معَ المُكَلَّفِ، لا معَ الصبيِّ والمجنونِ، وأجابَ بأنه لو قالَ: به، لاقْتُضِيَ أنَّ المُكَلَّفَ لا يُخَاطَبُ إلاَّ بما هو مُكَلَّفٌ به، وليسَ كذلكَ؛ فإنَّ النبيَّ ﷺ مُخَاطَبٌ بما كَلَّفَ به الأُمَّةَ، بمعنى تَبْلِيغِهم، وكذا جميعُ المُكَلَّفِينَ بفرضِ الكفايةِ، وإنْ كانَ المكلَّفُ به بعضَهم، لا
1 / 138