Tasavvuf: İslam'da Ruhani Bir Devrim
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Türler
ويبدو من دراسة الحياة الروحية لكثير من الصوفية أن هذه الحال الخاصة التي تعرض لهم فتدفع بهم إلى الطريق الصوفي هي حال شعور غامر يهجم على القلب ويستولي عليه، وأنها أشبه بنوع من الفيض يأتي من خارج النفس، منها بتطور داخلي في النفس ذاتها، وفي هذه الحال تبدو «الحقيقة» في شيء من التناقض، فيشاهدها الداخل في الطريق أزلية وحادثة، واحدة ومتكثرة، في هذا العالم ومتجاوزة له، مطلقة ومقيدة، وليس لهذا التناقض من سبب في نظرنا سوى أن السالك لا يزال في أول مرحلة من مراحل معراجه الروحي، ينظر بعين إلى الوجود الخارجي المحيط به، المتعلق به قلبه نوعا ما من التعلق، وبالعين الأخرى إلى العالم الروحي الذي هو على وشك الدخول فيه. فلما لم يصف له الشهود لتوزع نفسه بين العالمين، شاهد الأزلي المحدث، والمطلق المقيد، ولكن هذا التناقض سرعان ما يختفي عندما يترقى الصوفي في سلم معراجه، فيلمح «الحقيقة» كما تلمح العين رواسي الجبال بعد انقشاع الضباب عنها. يقول أفلوطين الإسكندري: «من شاهد هذا المشهد أدرك معنى ما أقول، وعرف أن للنفس عند ذاك حياة أخرى.»
2
ولكن الصوفية ينقسمون في شهودهم «الحقيقة» إلى طائفتين؛ الأولى ترى الحق في مجالي الجمال الخارجي، أو في مجلى جمالي خاص، ومن هؤلاء ابن عربي وابن الفارض الذي يقول:
جلت في تجليها الوجود لناظري
ففي كل مرئى أراها برؤية
3
والثانية تشهد الحق الباطن في النفس. فبينما يتجلى الحق للأولين في صورة الجمال المطلق، ينجلي للآخرين في صورة الإله المحبوب، ويغلب هذا الشهود الثاني على الصوفية والوجدانيين أصحاب العواطف القوية الجامحة، ولعل أبا يزيد البسطامي والحلاج والشبلي ورابعة العدوية كانوا من هذا الطراز، وأهم مظهر لهذا الشهود شعور ممزوج بلذة بالغة في شدتها وألم بالغ في حدته. أما الألم فنتيجة لتمزيق حجاب النفس «الأنا» والخروج من قيودها الزمانية، وأما اللذة فنتيجة لذلك الحب العميق الذي لا يسبر غوره. •••
هذا، وسنعالج في فصول تالية من فصول هذا الكتاب بعض مظاهر الحياة الصوفية في الإسلام مع الإشارة إلى أهم المسائل التي أثرناها في هذه المقدمة.
أصل كلمتي صوفي ومتصوف وتعريفاتهما
للكلام في هذا الموضوع شقان كما يدل عليه العنوان: الأول بحث تاريخي فيلولوجي في أصل كلمتي «تصوف» و«صوفي» وفي أي عصر من العصور ظهرتا وانتشرتا في الإسلام، والثاني في التعريفات التي وضعها الصوفية أنفسهم لهذين الاصطلاحين؛ أي في المعاني التي اعتبروها مقومات للحياة الصوفية. فالشق الأول دراسة للفظين، والثاني دراسة لمفهوميهما ، وليس للشق الأول - على الرغم من الجهد الذي بذله المؤلفون قديما وحديثا في دراسته - أهمية ولا قيمة كبيرة إلا بمقدار ما يلقي من الضوء على بعض جوانب الشق الثاني. أما «التعريفات» التي وضعها كبار الصوفية - لا سيما الأوائل منهم - للتصوف والصوفي فهي في صميم دراسة التصوف وجوهرها، وإذا تتبعناها تتبعا زمنيا وحللناها تحليلا دقيقا، ظهر لنا التصوف في صورة جلية، ووضح تطوره خلال التغيرات الكثيرة التي اكتنفته في البلاد الإسلامية التي ظهر فيها، والمؤثرات الإسلامية وغير الإسلامية التي أثرت فيه؛ لهذا آثرنا أن نعالج كل شق من شقي هذا البحث معالجة مستقلة، تاركين للقارئ ملاحظة ما بينهما من ترابط وما قد يكون للشق الأول من أثر في إيضاح بعض جوانب الثاني. (1) الأصل التاريخي والاشتقاقي لكلمتي تصوف وصوفي
Bilinmeyen sayfa