216

İki Hicret Yolu

طريق الهجرتين - دار ابن القيم

Soruşturmacı

محمد أجمل الإصلاحي

Yayıncı

دار عطاءات العلم (الرياض)

Baskı

الرابعة

Yayın Yılı

١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

Yayın Yeri

دار ابن حزم (بيروت)

Türler

Tasavvuf
فصل
إذا تبيَّن هذا ظهر أنَّ أحدًا من المخلوقين لا يقصد منفعتَك بالقصد الأوَّل، بل إنَّما يقصد منفعته بك، وقد يكون عليك في ذلك ضرر إذا لم يراع المحب العدلَ، فإذا دعوتَه فقد دعوتَ من ضرُّه أقربُ من نفعه. وأمَّا الربُّ ﵎ فهو يريدك لك ولمنفعتك لا لينتفع بك، وذلك منفعة لك محضة لا ضرر فيها.
فتدبَّرْ هذا حقَّ التدبُّر وراعِه حق المراعاة، فملاحظتُه تمنعك أن ترجو المخلوق أو تطلب منه منفعته لك، فإنَّه لا يريد ذلك البتة بالقصد الأوَّل، بل إنما يريد انتفاعه بك عاجلًا أو آجلًا، فهو يريد نفسه لا يريدك، ويريد نفع نفسه بك لا نفعك بنفسه. فتأمَّل ذلك، فإنَّ فيه منفعةً عظيمةً، وراحة، ويأشا من المخلوقين، وسدًّا (^١) لباب عبوديتهم، وفتحًا لباب عبودية اللَّه وحده. فما أعظمَ حظَّ من عرفَ هذه المسألة ورعاها حقَّ رعايتها!
ولا يحملنَّك هذا على جفوة النَّاس، وترك الإحسان إليهم واحتمال أذاهم، بل أحْسِن إليهم للَّه لا لرجائهم، فكما لا تَخَفْهم فلا ترجُهم (^٢).
وممَّا يبين ذلك أنَّ غالبَ الخلق يطلبون إدراك حاجتهم بك، وإن كان ذلك ضررًا عليك، فإنَّ صاحبَ الحاجة أعمى (^٣) لا يرى إلا قضاءَها.

(^١) "ط": "سدًّا" دون واو العطف.
(^٢) كذا في الأصل و"ف". وفي "ن": "لم تخفهم". وفي "ك، ط": "فكما لا تخافهم لا ترجوهم".
(^٣) "أعمى" ساقط من "ط".

1 / 130