79000
المجموع
اكتشاف الذهب
لمعادن الذهب الكثيرة في بلاد الترنسفال الفضل في ارتقائها وتحسين ماليتها، فكل من ضاقت به الدنيا وقصد هذه الجهة الفسيحة يجد خير مأوى، فيعيش فيها ما طاب له من الزمن، وإذا أراد العودة من حيث أتى، يعود طاردا بالأصفر الرنان عوامل الفقر. ولا تعجب أيها القارئ من ذلك؛ لأن آنية سليمان ملك إسرائيل وبيته وعرش ملكه العظيم ما صنع إلا من الذهب الذي أتي به من تلك البلاد، وقد ذكر ذلك في الكتاب المقدس في سفر الملوك الثالث «ف9 ي26: وبنى الملك سليمان سفنا في عصيون جابر التي بجانب أيلة عند شاطئ بحر القلزم (بحر الأحمر) في أرض آدوم، وأرسل ملك حيرام عبيده مع عبيد الملك سليمان قوما ملاحين عارفين بالبحر، فأتوا أوفير وأخذوا من هناك أربعمائة وعشرين قنطارا من الذهب، وأتوا بها إلى الملك سليمان.»
وفي الفصل العاشر من هذا السفر «ي14: وكان وزن الذهب الذي ورد على سليمان في سنة واحدة ستمائة وستة وستين قنطارا.» ومن هذا القدر المذكور مائة وعشرون قنطارا وكثير من الطيب والأحجار الكريمة أهدتها إليه ملكة سابا،
1
ويظهر أن رجالها ذهبوا أولا إلى زنجبار وساروا على شطوط الأقيانوس الهندي، حتى وصلوا إلى موزنبيق، ومنها إلى بلاد الأورنج والترنسفال، ومن هناك جاءوها بالذهب الكثير، فأهدته إلى أعظم ملوك عصرها. ومن ذلك يتضح بأجلى بيان أن معادن الذهب في تلك الجهات كانت معروفة عند بني إسرائيل، ثم خفي أمرها زمنا طويلا حتى سنة 1498، وفيها أوغل الرحالة البرتغالي المسمى فاسكو دي جاما في تلك البلاد، فصادفه الفلاح وقاده النجاح لاكتشاف معادن الذهب على شواطئ نهر الزنبيز، ولكن خبر ذلك الاكتشاف ظل مستترا، إلى سنة 1591، وفي هذه السنة كان رجل برتغالي يسمى باريتو جائلا في هذه البلاد التي لم يكن يقطنها إلا الزنوج المتوحشون الذين لا يعرفون للذهب قيمة، فلما مر باريتو بنهر الزنبيز تأكد له وجود الذهب هناك، فعاد إلى ليسبون عاصمة بلاده، وأخبر بما رآه، فلقبه مواطنوه بأمير الذهب، فحاز منزلة رفيعة، فأراد أن يعظم خدمته العمومية ليحسن ذكره ويزداد مجده، فعاد في أثناء السنة إلى بلاد الموزنبيق، وهناك أرشده أحد المرسلين اليسوعيين إلى شواطئ نهر كورانا حتى يصل إلى بلدة مانيكا، حيث يجد معادن الذهب المسماة معادن بوتنا ومانشيكا. وفي سنة 1845 أثبت العالم الجيولوجي النمساوي فون بوك وجود معادن الذهب والفضة في جنوب أفريقيا. ومن هذا الوقت تنبهت الأفكار للرحيل إلى هذه البقاع، وكثر الطامعون إليها، فتغلب الجنس الأبيض على الأسود، وذلك بعدما ملكت إنكلترا بلاد الكاب والناتال، وامتلك البوير الأورانج والترنسفال، وحينئذ ابتدأ العلماء الجيولوجيون في البحث. وفي سنة 1862 اكتشف الجيولوجي النمساوي كارل موك مناجم تاتي التي تبلغ مساحة أرضها الممتدة فيها عروق الذهب 240 ميلا مربعا. وفي سنة 1865 اكتشف السالف ذكره مناجم باشونالند التي تبلغ مساحة أرضها الذهبية 220 ميلا مربعا، وفي نفس السنة اكتشف أحد صيادي الأفيال المسمى نافارتي معادن ذهب أخرى في تأتي، وقد احتكرت شركة إنكليزية استخراج الذهب في هذه الجهة بمقتضى معاهدة عقدت بينها وبين ملك هذه البلاد المدعو لوبنجولا. وفي سنة 1868 اكتشف كارل موك معادن الذهب في شمال نهر الأفيال في مقاطعة ليدنبرج ببلاد الترنسفال، ثم اكتشفت في هذه الجهة معادن أخرى.
يوجد الذهب في بلاد الترنسفال في إحدى عشرة جهة مسماة بأسماء البلاد القريبة منها، ويدعوها البوير حقول الذهب، وتبلغ مساحتها نحو ستة ملايين متر مربع، وأهم هذه المدن ثمانية، وهي: ليدنبرج، الكاب، كوماتي، ويتواتر سرند، كليركسدورب، ملماني، زوتنسبرج، واتربرج.
معادن ليدنبرج
تنقسم إلى أربعة أقسام؛ الأول: في جبال دراكنسبرج القريبة من مدينة ليدنبرج، اكتشفت سنة 1868. والثاني: في جهة سبيون كوب، واكتشفت سنة 1869، ومكتشفوه ثلاثة، وهم المستر بيتون من الناتال، والمستر سيترلند الأمريكاني من كاليفورنيا، والمستر توماس ماك لكلان الإنكليزي، وقد كافأتهم الحكومة على خدمتهم. والثالث: معادن على شواطئ نهر بلجرزرست، اكتشفها سنة 1873 بيتون وسيترلند. والقسم الرابع: معادن ماكماك، اكتشفها المستر توماس سنة 1873، وفي ثاني سنة من تاريخ هذا الاكتشاف أرادت الحكومة إنشاء بلدة بالقرب منها، فحال دون قصدها وقوع النزاع والخلاف بين مستخرجي الذهب هناك، انجلى عنه مغادرتهم تلك الجهة، وتعطيل الأشغال فيها إلى سنة 1886، حين استولت عليه شركة إنكليزية وباشرت العمل، فكان حظها وافرا من ربحه العظيم.
Bilinmeyen sayfa