لله، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر، ولا عمد بفاحشة، ولم يجر فى حكم الله عز وجل، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغنى ظلم عن عمالى فرضيت به ، بل أنكرته، ولم يكن شىء آثر عندى من رضا ربى عز وجل، اللهم إنى لا أقول هذا تزكية مثى لنفسى؛ أنت أعلم بى، ولكن أقوله تعزية لامى لتسلو عنى، فقالت : إنى لارجو من الله - عز وجل - أن يكون عزائى فيك حسنا إن تقدمتنى، اخرج حتى أنظر ما يصير أمرك، فقال : جزاك الله يا أماه خيرا، ولا تدعى الدعاء لى قبل وبعد! فقالت : لا أدعه أبدا، فمن قتل على باطل فقد قتل على حق، ثم قالت : اللهم ارحم طول ذلك القيام فى الليل الطويل ، وذلك النحيب في الظلماء، وذلك الصوم فى هواجر المدينة ومكة، وبره بأبيه وبى، اللهم انى قد أسلمته لأمرك فيه ، ورضيت بما قضيت، فأثبنى في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين!
~~ثم إن القوم أقاموا على كل باب رجالا وقائدا، فشحنت الأبواب بأهل الشام، وكان لأهل حمص الباب الذى يواجه باب الكعبة، ولاهل دمشق باب بنى شيبة، ولاهل الاردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب بنى جمح، ولأهل قنسرين باب بنى سهم، فمرة يحمل ابن الزبير فى هذه الناحية ، ومرة فى هذه الناحية ، كأنه أسد لا يقدم عليه الرجال، وقالت لابن الزبير زوجته : اخرج أقاتل معك، فقال : لا، وأنشد :
كتب القتل والقتال علينا
وعلى المحصنات جر الذيول
فلما كان يوم الثلاثاء صبيحة سبع عشرة من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين ، وقد خذ الحجاج على ابن الزبير الأبواب، وبات ابن الزبير يصلى ليلته ، ثم احتبى بحمائل سيفه، فأغفى ثم انتبه، فقال: أذن يا سعد، فأذن عند المقام، وتوضأ ابن الزبير وركع ركعتى الفجر ثم تقدم، وأقام الموزآذن فصلى بأصحابه، فقرأ {ت وألقله)} [القلم: 1، 1)، وقال : من كان سائلا عنى فإنى فى الرعيل الأول، وأنشد :
ولشت بمبتاع الحياة بشبة
ولا مزتق من خشية الموت شلما
ثم قال : احملوا على بركة الله، ثم حمل حتى بلغ بهم الحجون، فرمى بآجرة فأصابته بى وجهه؛ فأرعش لها ودمى وجهه فلما وجد سخونة الدم تسيل على وجهه ولحيته قال يرتجز:
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
ولكن على أقدامنا تقطر الدما
وتغاووا عليه فقتل .
~~وجاء الخبر إلى الحجاج؛ فسجد وسار حتى وقف عليه ومعه طارق بن عمرو، فقال ----
Sayfa 129