Sanat Tarihi ve Ünlü Tablolar
تاريخ الفنون وأشهر الصور
Türler
ولكن من الرؤية تنشأ الرؤيا؛ أي من الحقيقة ينزع رجل الفن إلى الخيال، وإذا كنا قد قلنا إن الفنون هي الصلة؛ أي الجسر، بين الإنسان والطبيعة، فهي أيضا الجسر بين الحقيقة والخيال.
ولكننا ونحن نجنح إلى الخيال نرتكز على الحقيقة، لأننا نحن من الطبيعة وهي منا، وإنما نحس ونحن على رأس التطور بمغزى هذا التطور، فنستكنه روحه ونتجاوز حاضره إلى مستقبله، فإذا لم تخطئنا بصيرتنا حططنا على الحقائق الخافية التي لم تتكشف عنها الطبيعة بعد.
ففي الطبيعة مثلا إيقاع يتضح في الجماد كما في تيارات البحر وأمواجه، وفي تعاقب الليل والنهار، وفي النبات؛ في غذائه وراحته ونموه ونضوجه، وهو أوضح في الحيوان حين يرقص ويغرد، ولكن رجل الفن يستكنه الروح في هذه المظاهر، فيخرج منها برؤيا الموسيقى والشعر والرقص، فهو مع تجاوزه الحقيقة يجعل أساسه فيها، كذلك المثال يرى البشر والحيوان أجساما مختلفة وهيئات متفاوتة فينظر من وراء هذه الأجسام والهيئات إلى الغاية التي يرمي إليها التطور، وإلى الروح التي وراء هذه المناظر، فينحت لنا من الحجر رجلا يمثل الشجاعة أو امرأة تمثل الحب.
فالفنون الجميلة في أدنى مراتبها محاكاة، وفي أعلاها تفسير ورؤيا والفنون الجميلة جميعها متجانسة، كما يتضح لنا من الألفاظ التي نستعملها، فالروي في الشعر هو الإيقاع في الموسيقى والرقص، وأحيانا يمكن الكاتب الناثر أن يرسم «صورة» قلمية لما هو بشأنه من الوصف، و«البيت» من الشعر يوهمنا أن الشاعر «يبني» الكلمات كأنه معماري، وهناك «موسيقى» الألوان، والراقص الماهر يرقص على اللحن الموسيقي.
وهذا التجانس يجعل الأديب؛ أي رجل الفن، محيطا بالفنون جميعها أو أكثرها أو واقفا على غاياتها، وإن كان جهله بالصنعة اللازمة لكل منها يعوقه عن ممارستها في غير الفن الذي يختص به، وصلة الاشتراك بين جميع الفنون هي وحدة الأصل فيها؛ أي تلك البصيرة التي تنفذ إلى ما وراء المظاهر في الطبيعة فتفسر وتتخيل وتتسامى بهذه المظاهر.
ولكن يجب ألا يفوتنا هنا أن نقول إن الفنون الجميلة مع أنها تنبع من معين واحد هو البصيرة فهي تبتعد أو تقترب من الذهن بنسبة متفاوتة، وأبعد الفنون عن الذهن هي الموسيقى، حتى إننا لا نحب ونحن نسمع لحنا جميلا أن يفسده علينا أحد بغناء يرافقه؛ لأن في الغناء من المعاني الذهنية ما نراه غير متفق مع اللحن الذي يخاطب بصيرتنا ويطربنا دون أن يطالبنا بتعليل ذهني، فإننا نقنع بتلك الأنغام تسري إلى نفوسنا فتجعلنا ننبض لها كأننا الصدى.
وأقرب الفنون إلى الذهن هو الشعر الذي تنطوي معانيه أحيانا على الحكمة تغذو العقل ويمكن المناقشة فيها، يليه بعد ذلك العمارة التي تتصل كثيرا بعلم الهندسة، ثم الرسم والنحت، ولكن يجب ألا ننسى أن الأساس الأصيل للفنون هو البصيرة، وأن أحب الفنون إلينا لهذا السبب وأطربها لأفئدتنا هو أبعدها عن الذهن نعني الموسيقى، وأن الكاتب الذي يستطيع أن يجعل من قصته أو نثره أو شعره أيا كان شيئا يشبه الموسيقى في الطرب، دون أن نجنح إلى الذهن، هو أقرب الكتاب إلى أن يجعل ما يمارسه فنا جميلا.
وللفنون عيوبها، فنحن نعرف مثلا أن الشعر قد يسقط أحيانا إلى أن يكون نظما، وإذا أردنا أن نعرف الفرق بين النظم والشعر أمكننا أن نقول: إن الأول يعتمد على الذهن، فهو معقول ولكنه غير جميل، والثاني يعتمد على البصيرة، فهو جميل ولكن لا يمكن أن يوصف بالعقل، فلو أن أحدا نظم قواعد الحساب أو قواعد النحو أو النظام الدستوري في قصيدة أو قصائد، لما استطعنا أن نقول: إنه كاذب، لأنه يعالج حقائق نعترف بها، ولكنا مع ذلك نقول: إنه نظام، لأنه يجنح إلى الذهن دون البصيرة، ويطلب الواقع دون الخيال، وينقل دون أن يفسر، ويقنع بالرؤية ولا يستطيع الرؤيا.
وأكبر عيوب الفن الأنانية، فالرجل الذي لا تسخو نفسه بالحب للعالم وكائناته لا يستطيع أن يرى جماله، فأنت لا تستطيع أن تصف امرأة جميلة، وتجيد الوصف، ما لم تكن تحبها، فالحب أساس الإحساس بالجمال، فنحن نستجمل الزهر والحيوان والإنسان والطبيعة الجامدة لأننا نحبها، وما لا نحبه نستبشع منظره، فالكاتب أو الشاعر أو الرسام أو المثال الذي تغمر نفسه الكراهة، وهو دائم الحقد على الناس، لا يمكنه أن يجيد فنا من الفنون الجميلة.
ومن عيوب الفن المحاكاة، فنحن لا نقنع من الرسام بأن ينقل لنا صورة فوتوغرافية، ولا من الموسيقى بأن يحاكي تغريد الطيور، وإنما نطلب من كل منهما أن يتجاوز ذلك إلى روح الطبيعة وينقلها لنا.
Bilinmeyen sayfa