أما الذين جاءوا بعد خولسن من الباحثين عن حقيقة ذلك الكتاب، لا سيما كتشمد المذكور آنفا ونولدكه
51
فبرهنوا البراهين الناطقة على أنه من تأليفات الشعوبية المفرطين في تفضيل الأمم الأجنبية على العرب المحض المتخذين كل وسيلة جائزة كانت أم مكروهة، أو مذمومة بلاغا إلى مبتغاهم. فغرض كتاب الفلاحة النبطية إثبات أن قدماء أهل بابل قد توصلوا في مدارج الحضارة والتمدن والتقدم العلمي إلى غاية لم تتقرب منها العرب في الجاهلية ولا فيما بعد الإسلام.
وحيث إن معرفة أحوال بابل وآثور القديمة قد اندرست كليا منذ قرون عند الشرقيين، اخترع صاحب الفلاحة النبطية الأسماء والنوادر والأخبار، وزور ولفق وموه، وفي كل واد هام، ووشى كلامه ونسج كتابه بالخرافات الشنيعة والأكاذيب الفظيعة.
ومن أعجب العجائب أن كتاب الفلاحة النبطية على المحتمل ليس تأليف ابن وحشية كما قيل في عنوان الكتاب وصدره، بل إنما هو من مختلقات أبي طالب الزيات
52
الذي نسبه إلى ابن وحشية؛ أي إلى رجل قد مات وقت نشر التصنيف تخلصا من ذم إخوانه المسلمين، وتبرئة لنفسه من تهمة النفاق والافتراء، وأنتم تدرون ما أكثر مثل ذلك الفعل عند أصحاب الأحكاميات والسحريات والكيمياء، وكم من تأليف عزي مثلا إلى هرمس وجاماسب وغيرهما من حكماء الوهميين، وكم نسب إلى أبي معشر ومسلمة المجريطي من كتاب ألف بعد موتهما بقرون، وإني مرتاب حتى في وجود ابن وحشية، الذي عزا إليه صاحب كتاب الفهرست ص311 إلى 312 عدة كتب في علوم السحر، وص358 كتابا في الكيمياء من دون أن يفيدنا شيئا من أحوال حياته، وأسماؤه أبو بكر أحمد بن علي
53
بن المختار بن عبد الكريم بن جريثا بن بدنيا بن برطانيا بن غلاطيا - كذا - الكسداني، فترون أن أسماء أجداده أسماء وهمية لا أصل لها في اللغات الآرامية - ومنها النبطية، أو في لغات أخرى، بل إن برطانيا وغلاطيا أسماء ولايتين مشهورتين من ولايات المملكة الرومانية
54
Bilinmeyen sayfa