وفي أواخر القرن الثالث الهجري نقع على أبي العباس أحمد بن الطيب السرخسي، وكان تلميذا للكندي، ويقال: إنه كتب مقالة في الروح، ومختصرا لإيساغوجي، والمدخل إلى صناعة الطب (راجع المسعودي جزء2 ص72 طبع ليبرج).
وحتى عصر السرخسي كانت المباحث الطبية محصورة في يد المسيحيين واليهود غالبا، حتى إنك لتجد مؤلفا يقال له: يوحنا أو يحيى بن سيرابيون
John bar Serpion - ولم أقف على كنيته العربية - في أواخر القرن التاسع الميلادي، يكتب في الطب باللغة السريانية مختصرات ترجم أحدها عدة ترجمات، وطبعها من بعد ذلك في اللاتينية «جيرار الكريموني»
Gerard of Cremonia .
ويعتبر أبو بكر محمد بن زكريا الرازي أبا الطب العربي، توفي سنة 311 أو 320ه 923 أو 932م، ويلقبه كتاب اللاتينية «بالرازيس»
Rhazes ، وكان مؤلفا موسيقيا، كما كتب في الفلسفة والأدب والطب، وغالب ما يشير في مؤلفاته الطبية إلى ثقات من كتاب الهند واليونان.
ولا مشاحة في أن إدخال العنصر اليوناني الصرف في المؤلفات الطبية والاستعاضة به عما كتب أطباء مدرسة الإسكندرية نقلا عن القدماء، كان أعظم ما قام به مؤلفو العرب لصناعة الطب من الخدمات، على أن مؤلفات «الرازي» قد سادت فيها الفوضى ووصفت بضعف التأليف، فهي ليست سوى مجموعة من المقالات مفككة العرى غير متواصلة الحلقات، ولهذا السبب وحده رجع طلاب الطب عن مؤلفاته إلى ما كتب ابن سينا؛ لأن مؤلفات ابن سينا فيها من الألفة والنظام بقدر ما في مؤلفات «الرازي» من التفكك وعدم التواصل.
ولقد تلقى «الرازي» العلم بعد أن كبر، ولما نبغ تولى رياسة الأطباء في بيمارستان بغداد، ومن الأمثال التي كانت جارية على الألسنة وتدل على منزلة «الرازي» قولهم: «كان الطب معدوما فأحياه جالينوس، وكان متفرقا فجمعه الرازي، وكان ناقصا فكمله ابن سينا»، وهذا المثل يدل واضح الدلالة على أن مؤلفات «الرازي» خليقة بما وصفناها به من قبل.
واشتغل «الرازي» بالكيمياء واستكشف ما سماه «زيت الزاج»، وهو الحامض «الكبريتيك» والكحول، واستحضر الأول باستقطار كبريتات الحديد، واسمه في العربية «الزاج الأخضر»، فلما استقطره خرج منه سائل أسماه «زيت الزاج»، ولا تزال الطريقة التي اتبعها «الرازي» في استخراجه ذلك الحامض متبعة في استخراجه حتى اليوم، وأما الكحول فقد استحضره باستقطار مواد نشوية وسكرية مختمرة.
وألف في استخراج الذهب من المعادن الأخرى مؤلفا كان لا يعتقد أنه حق وعلم صحيح، ولكن الراجح أنه ما ألف فيه إلا ابتغاء الرزق والمال ليستعين به على تجاريبه الكيماوية، وألف كتبا كثيرة لم يبق منها إلا القليل، ويقال: إنها كانت مائتي مؤلف، والباقي منها كتاب «الحاوي» وهو أهمها، كتبه في الأمراض ووصفها ومداواتها، وكتاب «الطب المنصوري»، وكتاب «الجدري والحصبة»، وكتاب «الفصول في الطب»، وكتاب «الكافي»، وقد ترجم إلى العبرية، وهو موجود الآن في جامعة إكسفورد، وكتاب «برء الصناعة» وكتاب «الطب الملوكي».
Bilinmeyen sayfa