الإقرار بالفضل واجب، أقول ذلك لأن لروسيا فضلا عظيما علي؛ فقد تلقيت علومي في مدارسها بلا مقابل، ووجدت من أساتذتي الكرام كل معاملة حسنة، وإرشاداتهم ما زالت إلى اليوم قبسا لامعا يسدد خطواتي، ويرشدني إلى العيش الشريف والمبادئ القويمة في هذه الحياة، وفوق ذلك فقد تزوجت من سيدة روسية، أنجبت لي أولادا، هم بفضل تربيتها مثال الآداب والفضائل والنجاح. ومن كان مثلي معدما فلا يستطيع مكافأة أولئك المحسنين، اللهم إلا بالمحافظة على ما غرسوه في نفسي من المبادئ القويمة، وكلمة مدح أسوقها لهم كلما سنحت الفرصة، على قول القائل:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
وبناء على ما تقدم، أقدمت على طبع هذا الكتاب من باب الإقرار بالفضل لذويه، وعلى الله الاتكال في كل حال.
كتبه
سليم قبعين
تقدمة الكتاب
إلى منار الطائفة الأورثوذكسية، وعميدها في الديار المصرية، ذي الفضل والحسب والجاه حبيب باشا لطف الله.
لما كان لكل كتاب عنوان، ولكل مقال ديباجة بيان، وقد جرت العادة أن يهدي العامل أجمل وأثمن ثمرات يمينه إلى ملك جليل، أو سيد نبيل؛ تنويها بقدر عمله، وأن يقدم الأديب مبتكرات فكره أو خلاصة بحثه واستقرائه إلى أريحي ألمعي؛ إعلاء وتشريفا لتأليفه، فقد رأيت أن أقدم كتابي هذا إلى مقامك الفخيم، وأتوجه باسمك الكريم، لعلمي بأنك من الطائفة الأورثوذكسية، في الديار المصرية، بمنزلة الغرة من الجبين، والتاج من المفرق. وإنما أقدمت على هذا الإهداء بدافع الثقة من حبك العلوم والآداب، التي أنهلت أشبالك الغر الكرام منها الكأس المعين. فتقبل مني أيها السيد الأمثل هذه الزهرة المتفتحة في روضة الأدب العربي، وبارك بيدك البيضاء هذا الحجر في بناء التاريخ الحديث، فمثلك من تعقد بحجزته نواصي الآمال، وتجمع على محبته قلوب الرجال.
كأنك في كل النفوس محبب
Bilinmeyen sayfa