İslam'da Eğitim ve Öğretim
التربية والتعليم في الإسلام
Türler
ثم إن نواحي التربية والتعليم في هذا الدور ظلت هي هي كما كانت في الدور السابق ولم يصبها أي تغيير، اللهم إلا ما تقضي به سنة النشوء والارتقاء من الإفادة من العلوم الجديدة والدروس المفيدة، التي نشطت في البيئة العباسية نشاطا عجيبا بفضل الخلفاء والأمراء العباسيين. ولقد ساهم العرب والأعاجم على السواء في هذا النشاط؛ فقد كان لهذه المساهمة المشتركة أثر حميد أفاد منه العلم، وتطورت به التربية العربية تطورات محسوسة. كما كان لهذا الأمر أثر آخر مفيد في تماسك أجزاء الأمة العربية الإسلامية روحيا بعد انقسامها سياسيا حين ضعفت الدولة العباسية في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع، فأخذت بعض الأقاليم تنفصل عن الدولة الأم، ولكن هذا الانفصال لم يكن إلا انفصالا سياسيا، فإن كل هذه الدول التي انسلخت عن الجسم العباسي من سامانية وصفارية وحمدانية وطولونية وبويهية وسلجوقية ... كانت كلها ذات طابع واحد هو الطابع العربي-الإسلامي، وكانت الحياة العقلية والمذاهب التربوية في كل هاتيك الدول واحدة متسقة تمام الاتساق، وكان العالم أو المربي العربي في أية بقعة من بقاع العالم العربي يجوب الديار فيحاضر ويدرس ويناقش ويناظر، وهو بين قوم يفهمونه ويفهمهم تمام الفهم، ولا فرق أصلا بين الكاشغري والطنجي والبغدادي والقرطجي والمعري والقيرواني والمصري والطاشقندي والحلبي والبخاري ... فالكل يدورون في فلك واحد ويسيرون إلى هدف واحد، ويدرسون برنامجا تعليميا واحدا، ويتربون تربية علمية مشتركة لها طابع خاص وقواعد متسقة، وربما اختلفت الصور والأشكال والهيئات والأساليب، أما حقائق الأمور وطبائع الأشياء فثابتة متحدة. وقد استمر هذا النشاط العلمي ذو المذاهب التربوية الموحدة والأغراض الثقافية المتحدة في دار الإسلام من أقصى المشرق الإسلامي إلى أقصى المغرب الإسلامي، وكان أهله ينتجون إنتاجا علميا مفيدا ذا خطر في كافة نواحي العلم من دين وأدب وطب وكيمياء وفلسفة ورياضيات، وكانوا يكتبون كل ذلك بلغة القرآن وبأدب العرب إلى أواخر القرن السابع للهجرة؛ أي إلى ما بعد القضاء على الدولة العباسية في بغداد. فلما قضي عليها اضمحل أمر العرب وذهبت ريحهم، ولم يبق لهم أثر ذو شأن كبير في العلم والفلسفة والعمران والفن، وخلق من بعد العباسيين خلق أضاعوا مجد العرب، ولم تقم لهم قائمة ذات خطر إلا في عصر النهضة واليقظة العربية. فعليهم إذا ما أرادوا أن تكون نهضتهم اليوم نهضة صحيحة سالمة من كل زيف أن يعمدوا - بعد الاستعداد العسكري - إلى الاستعداد التربوي الصحيح الذي يخلق من الأطفال رجالا ومن البنات نساء ذوات مواهب وكفايات، وأن ينشئوا شبابا وشابات أحرارا متعاونين مؤمنين بالمساواة، مخلصين لأمتهم، عاملين في سبيل قوميتهم، معتمدين على أسس التربية الثلاثة التي قامت بها حضارتهم بالأمس، وهي: التعاون، والحرية، والمساواة.
فالجيل الذي لا يتعاون أهله فيشعرون كأنهم بنيان واحد لا مصلحة للفرد منه إلا ضمن مصلحة الجميع؛ جيل لا خير فيه. والجيل الذي لا يحتقر العبودية للأجنبي ويتعشق الحرية في كافة ضروب الحياة من سياسية واقتصادية واجتماعية؛ هو جيل مهدم للوطن. والجيل الذي لا يؤمن أبناؤه بروح المساواة، وأنه لا فرق بين مواطن ومواطن أصلا، ولا مزية لأحد على أحد إلا بالعلم والمعرفة؛ هو جيل ضار لا خير فيه للوطن.
أما بعد، فإن القومية العربية ليست إلا فكرة طاهرة نقية نبيلة سامية، ترمي إلى التوحيد بين جماعات تربط بينهم روابط الإقليم واللغة والتاريخ والعادات، وتهدف إلى غرض سام هو تعاون تلك الجماعات على خلق حضارة مفيدة، وأداء رسالة رشيدة، مطبوعة بطابع تلك الجماعات.
والقومية العربية وحضارتها - كما رأينا - لا تهدف إلا إلى هذا الغرض السامي، فكيف يسوغ للبعض من أبنائها مهاجمتها زاعمين أن ثمة فكرة أنبل منها تدعو إلى غرض أسمى من غرضها؟
تقديم البروفسور رجيس بلاشير للطبعة الفرنسية من الكتاب
كانت الخلافة العباسية في بغداد في عهدها الأول واقفة نفسها على محاربة الفرق والمذاهب المخالفة لها؛ فلم يتح لهذه الفرق أن تتقوى أو أن تقوم بأي عمل حازم إلى أواخر القرن التاسع للميلاد/الثالث للهجرة، ما خلا فترة قصيرة في عهد المأمون؛ فإن العلويين استطاعوا أن يبرزوا ويكتب لهم بعض النصر. ولكن لما أطل القرن العاشر/القرن الرابع للهجرة برز كثير من هذه الفرق بقوة وخطر، وكان أبرزها وأجلها شأنا فرقة القرامطة التي تمت في أصل نشأتها إلى المذهب العلوي؛ فقد استطاع هؤلاء القرامطة بأهدافهم السياسية والدينية أن يتغلغلوا بين صفوف العامة ويجدوا لهم أنصارا يعتنقون نحلتهم ويتحمسون لمبادئهم، وتمكنت هذه الفرقة بعد أن تركت نطاق الدعوة والقول إلى حيز النشاط والعمل أن تتحدى الخليفة العباسي في قلب عاصمته، خلال فترة لا تقل عن ثلاثين سنة.
ولقد برز خطر هذه الفرق والمذاهب بمظهر أجلى حين اعتنق مبادئها نفر من رجال الإدارة والسياسة وذوي السلطان الذين أخذوا يناوئون الخلافة العباسية، كما أبان ذلك مفصلا البروفسور لويس ماسينيون في المقالات المتعددة التي نشرها حول هذا الموضوع.
ولقد نبغت في القرن العاشر للميلاد/الرابع للهجرة أسرة من الوزراء وهم بنو الفرات، وأسرة من الكتاب وهم بنو نوبخت؛ فكان لهاتين الأسرتين الشيعيتين المتحمستين أثر كبير في إقصاء العناصر غير الشيعية عن إدارة البلاد، حتى إن الخلافة نفسها - منذ عهد المتوكل حتى أواخر عهد المقتدر - لم تستطع على الرغم من الجهد الذي بذلته، وفي محاولات شتى، أن تحمي نفسها من تدخل هؤلاء. على أن الإدارة المركزية التي قاومت هؤلاء بالعنف تارة وباللطف أخرى لم تستطع أن تقضي على هذه الحركات، وعلى رأسها حركة القرامطة الذين كانوا يلبسون حركتهم السياسية ثوبا روحيا حتى عظم أمرهم. واضطر الخليفة أول الأمر بما حاكوه حوله من دسائس وما أثاروا عليه من حروب أن يخلع نفسه في أواسط القرن العاشر للميلاد/الرابع للهجرة؛ وهكذا كتب لحركة هؤلاء القوم أن تنتصر وتفوز في المعركة، واستطاع القرامطة أن يؤسسوا لهم إمارة مستقلة في بلاد البحرين. كما استطاع المهدي عبيد الله الفاطمي أن يوطد أركان حركته في المغرب، التي استطاعت فيما بعد الاستيلاء على مصر؛ حيث أسس أحفاده الخلافة الفاطمية. وكذلك فعل الحمدانيون في سورية إذ استقلوا بها وجعلوها قاعدة علوية. كما استقل البويهيون في العراق وفارس وفرضوا عليهما المذهب العلوي.
أما أهل السنة فإنهم لم يستطيعوا الوقوف أمام هذه الحركات إلا بعد قرابة خمس وسبعين سنة؛ فإنهم تنبهوا للخطر وقاموا بحركة معاكسة قوية تجلت بالقضاء على آل بويه في العراق وإيران، وقيام آل سلجوق مقامهم واستيلائهم على بغداد. ولا شك في أن الدور الرئيسي قد قامت به شخصية جليلة هي شخصية الوزير نظام الملك (485ه/1192م)؛ فقد عمل هذا عملا حاسما بمحاربة هذه الحركات، وبخاصة الحركات الباطنية.
إن مكانة هذا الوزير الخطير تتجلى في اعتقاده بأن محاربة هؤلاء القوم لا ينبغي أن تكون في قهرهم عسكريا وسياسيا فحسب، بل وفي قهرهم ثقافيا وإداريا، ولم تكن هذه المعركة الثقافية والإدارية معركة سهلة؛ فقد بذل في سبيلها كل غال وكل جهد حتى استطاع أن يتوصل إلى أغراضه.
Bilinmeyen sayfa