وذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك قصة أخرى تدل على نفس الصفة وهي: لما وصل إلى ملك الروم بالقسطنطينية قال من تلقاه ومن معه: لا تدخلوا على الملك بعمائمكم حتى تنزعوها، وحتى تنزعوا أخفافكم. فرفض الباقلاني، وقال: فإن رضيتم وإلا فخذوا الكتب تقرؤونها ويرسل بجوابها الملك وأعوذ بها، فأخبر بذلك الملك. فقال: أريد معرفة سبب هذا وامتناعه مما مضى عليه رسمي مع الرسل. فسئل القاضي عن ذلك، فقال: أنا رجل من علماء المسلمين وما تريدوه منا ذلك وصغار والله - تعالى - قد رفعنا بالإسلام، وأعزنا بنبينا محمد ﵇. وأيضًا، فإن من شأن الملوك إذا وصلتهم رسل من ملك آخر أن يرفعوا قدرهم لاسيما إذا كان الرسول من أهل العلم. فعرف الترجمان الملك بذلك. فقال: دعوه يدخل ومن معه كما يشتهون.
٢ - طول نفسه في المناظرات وسعة ثقافته:
ذكر ابن عساكر في تبيين كذب المفتري .. حيث قال: "ناظر الباقلاني أستاذه أبا عبد الله بن مجاهد الطائي إلى أن انفجر عمود الصبح، وظهر كلام القاضي عليه".
وذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان "أن الباقلاني كان طويل النفس في المناظرة مشهورًا بذلك، فجرى يومًا بينه وبين أبي سعيد الهاروني مناظرة فأكثر فيها القاضي الكلام ووسع العبارة وزاد في الإسهاب، ثم التفت إلى الحاضرين وقال: اشهدوا على إنه إن أعاد ما قلت لا غير لم أطالبه بالجواب، أراد بذلك تعجيز خصمه".
1 / 46