يكن يبلغها إلا بها ، وفي رواية ابن أبي الدنيا : ما أصاب رجلا من المسلمين نكبة فما فوقها حتى الشوكة إلا لإحدى خصلتين : إما ليغفر الله له من الذنوب ذنبا لم يكن يغفر له إلا بمثل ذلك أو يبلغ به من الكرامة كرامة لم يكن يبلغها إلا بمثل ذلك كذا في الزواجر ، قال بعضهم : الصبر صبران : فاللئام أصبر أجساما ، والكرام أصبر نفوسا ، وليس الصبر الممدوح أن يكون صاحبه قوي الجسد على اللد والكد ، كما هو من صفات البهائم ، بل أن يكون للنفس غلوبا وللأمور محتملا ، والفرق بين المتصبر والصابر والصبار أن الأول هو الذي يتحمل المشاق ، وتظهر عليه ، وإنما يمنعه من السخط خوف الله ، والثاني هو من تعود حمل المشاق ، فلم تظهر عليه ، والثالث هو الذي عود نفسه الهجوم على المكاره بلا كلفة في ذلك دون المرارة كذا في الفتوحات الوهبية ( قال النبي عليه الصلاة والسلام : الصبر ) أي الكامل الذي يتفرع منه الأجر الجزيل ( عند الصدمة الأولى ) أي عند ابتداء المصيبة لكثرة المشقة فيها رواه البزار وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وهو حديث صحيح . قال ابن حجر في معنى هذا الحديث ، أي إنما يحمد الصبر عند مفاجأة المصيبة ، وأما فيما بعد فيقع السلو طبعا وفي حديث صحيح للبزار عن ابن عباس الصبر عند أول مصيبة أي الصبر العظيم الثواب عند فورة المصيبة وابتدائها وبعد ذلك تنكسر حدة المصيبة وحرارة الرزية ( وقال عليه الصلاة والسلام : لو كان الصبر رجلا لكان رجلا كريما ) رواه أبو نعيم عن عائشة وإسناده ضعيف . أي لو قدر أن الصبر رجل كان كريما ، فكيف تتركونه ، ولذا قال الحسن البصري الصبر كنز من كنوز الجنة لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ( وقال عليه الصلاة والسلام : إذا أحب الله عبدا ) أي أراد الله له الخير ( ابتلاه ) أي امتحنه ( ببلاء لا دواء له ) أي من مرض أو هم أو ضيق ليطهره من الذنوب ( فإن صبر ) أي على ذلك البلاء ( اجتباه ) أي اختاره ( وإن رضي ) على ذلك وعلى المبلي ( واصطفاه ) أي اختاره وأحبه حبا عظيما ( وقال عليه الصلاة والسلام : ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله تعالى ) رواه الإمام أحمد والطبراني عن عمر قال العزيزي : أصل الجرعة الابتلاع ، والتجرع شرب في عجلة والجرعة من الماء كاللقمة من الطعام ، وهو ما يجرع مرة واحدة ( وقال عليه الصلاة والسلام : الصبر وصية من وصايا الله تعالى في أرضه من حفظها ) أي الوصية ( نجا ) أي من العتاب ( ومن ضيعها هلك ) أي في العذاب وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل : إن صبرت مضى أمر الله وكنت مأجورا ، وإن جزعت مضى أمر الله ، وكنت مأزورا ( وقال صلى الله عليه وسلم : أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران عليهما السلام يا موسى من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليخرج من بين أرضي وسمائي وليطلب له ربا سوائي ) في هذا الكلام أمر تهديد وحث على الرضا بالقضاء والصبر على البلاء ، والشكر على النعماء ، وفي رواية للطبراني عن أبي هند الداري قال الله تعالى : من لم يرض بقضائي ، ولم يصبر على بلائي ، فليلتمس ربا سوائي . وفي رواية للبيهقي عن أنس قال الله تعالى : من لم يرض بقضائي وقدري فليلتمس ربا غيري ( وقال عليه الصلاة والسلام : الصبر عند المصيبة بتسعمائة درجة ) وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أفضل العدة الصبر عند الشدة ، ( وقال عليه الصلاة والسلام : صبر ساعة خير من الدنيا وما فيها ) وقال علي رضي الله عنه : الصبر مطية لا تكبو وسيف لا يلبو . ( وقال عليه الصلاة والسلام : الصبر على أربعة أوجه ) أي أنواعه باعتبار متعلقة أربعة ( صبر على الفرائض ) أي على فعلها وتحمل مشاقها حتى يؤديها ( وصبر على المصيبة ) أي على حرارتها بحيث لا يتسخطها ( وصبر على أذى الناس ) أي بحيث يتركه على حالة حسنة وأمر جميل فلا يحسب لهم حسابا أصلا ( وصبر على الفقر ) أي على ضيق المعيشة ( فالصبر على الفرائض توفيق ) أي حصول التوفيق من الله تعالى ( والصبر على المصيبة مثوبة ) أي سبب لحصول الثواب من الله تعالى ( والصبر على أذى الناس محبة ) أي علامة أنه محبوب عند الله تعالى وعند الخلق ، ولذلك عد بعضهم أن من أفضل أنواع الصبر الصبر على مخالطة الناس وتحمل أذاهم ( والصبر على الفقر رضا الله تعالى ) أي دليل على أنه راض بقسمة الله تعالى وفي الحديث : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ، ولا يصبر على أذاهم ، رواه أحمد والبخاري وابن ماجه عن عمر بإسناد حسن ( وقال عليه الصلاة والسلام : إذا حدث على عبد مصيبة ) أي شدة وبلاء ( في بدنه أو ماله أو ولده فاستقبل ذلك ) أي المصيبة ( بصبر جميل استحيا الله يوم القيامة أن ينصب له ) أي لذلك العبد ( ميزانا أو ينشر له ديوانا ) فقوله استحيا جواب الشرط ومعناه ترك الله نصب الميزان ، ونشر الديوان ترك من يستحي أن يفعلهما ، وفي بعض النسخ بدل هذا الحديث وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( قال الله تعالى إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو في ولده أو في ماله فاستقبلها بصبر جميل استحييت يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا ) رواه الحكيم عن أنس ، وإسناده ضعيف قيل الصبر الجميل أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدرى من هو ، وفي حديث رواه البيهقي والقضاعي عن أنس : أفضل العبادات انتظار الفرج من الله ، أي فإذا نزل بأحد بلاء فترك الشكاية وصبر ، وانتظر الفرج فذلك من أفضل العبادات ، لأن الصبر في البلاء انقياد لقضاء الله تعالى . وقد قال الشاعر من بحر البسيط : | إن الأمور إذا انسدت مسالكها | فالصبر يفتح منها كل ما ارتتجا | لا تيأسن وإن طالت مطالبة | إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا | أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته | ومدمن القرع للأبواب أن يلجا | وهذا آخر ما يسره الله تعالى في هذا الكتاب ، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، الحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين ، وإمام المرسلين وحبيب رب العالمين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وأصحابه البررة الأكرمين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين .
Sayfa 77