الأذكار : واعلم أن النياحة رفع الصوت بالندب ، والندب تعديد النادبة بصوتها محاسن الميت . وقيل : هو البكاء عليه مع تعديد محاسنه . قال أصحابنا ويحرم رفع الصوت بإفراط البكاء ، وأما البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة فليس بحرام انتهى . ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : النياحة عمل من أعمال الجاهلية ) وفي رواية لابن ماجه النياحة من أمر الجاهلية ، وإن النائحة إذا ماتت ولم تتب قطع الله لها ثيابا من قطران ودرعا من لهب النار . قال ابن حجر : فيحرم الندب وهو تعديد محاسن الميت كوا جبلاه ، والنوح وهو رفع الصوت بالندب ومثله إفراط رفعه بالبكاء ، وإن لم يقترن بندب ولا نوح وضرب نحو الخد وشق نحو الجيب ونشر الشعر وحلقه ونتفه ، وتسويد الوجه وإلقاء الرماد على الرأس ، والدعاء بالويل والثبور أي الهلاك وكل شيء فيه تغيير للزي ، كلبس ما لايعتاد لبسه أصلا ، وكترك شيء من لباسه والخروج بدونه على خلاف العادة . ( وقال عليه الصلاة والسلام : من فعل النياحة عدو لله والملائكة والناس أجمعين . وقال صلى الله عليه وسلم : تجيء النائحة يوم القيامة ) أي الوقف ( تنبح كنبح الكلب ) وهذا يدل على أن النوح من الكبائر . وفي حديث ضعيف لابن عساكر عن أبي هريرة : تجعل النوائح ، أي من النساء يوم القيامة صفين : صف عن يمينهم وصف عن يسارهم أي أهل النار فينبحن على أهل النار كما تنبح الكلاب ( وقال عليه الصلاة والسلام : تجيء النائحة يوم القيامة ) أي إلى الموقف ( شعثاء ) أي متلبدا شعرها وسخا جسدها ( غبراء ) أي كثيرة الغبار في بدنها ( عليها ) أي النائحة ( جلباب ) أي ملحفة ( من نار وتضع يدها على رأسها وتقول وا ويلاه ) فوا حرف نداء وندبة ويلاه منادى مندوب به والألف للندبة والهاء للاستراحة ، ومعنى النداء يا هلاكي أقبل ويا حزني أقبل ويا عذابي احضر فهذا وقتك ، ولأنها نادت الويل أن يحضرها لما عرض لها من الأمر الفظيع ، وفي حديث الإمام أحمد ومسلم عن أبي مالك الأشعري : النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ، والسربال قميص وكذا الدرع والقطران بفتح فكسر نحاس مذاب ، أو ما تداوى به الإبل ، والمعنى أنه يصير جلدها أجرب حتى يكون الجرب كقميص على بدنها ، وسر ذلك أن الأجرب سريع الألم لتقرح جلده والقطران يقوي اشتعال النار ( وقال صلى الله عليه وسلم : لعن الله النائحة ) أي الرافعة صوتها بالندب ويقال لها الصالقة أيضا ( والمستمعة ) أي لنوحها ( والحالقة ) أي لرأسها عند المصيبة ( والخارقة ) أي لثوبها ( والشاقة ) أي لجيب قميصها ( والسالغة ) بالغين المعجمة أي الخادشة لوجهها ( والواشمة ) أي التي تشم غيرها ( والمستوشمة ) أي التي تطلب الوشمة ( والسلطاء ) أي الصائحة ( والمرطاء ) أي التي تنتف شعرها عند المصيبة ، وفي خبر الشيخين عن عمر بن الخطاب أن الميت ليعذب ببكاء الحي ، أي بكاء مذموما بأن اقترن بنحو ندب أو نوح لا بمجرد دمع العين ، ومحل ذلك التعذيب إذا أوصاهم بفعل البكاء المذموم كما هو عادة الجاهلية كقول طرفة لزوجته من بحر الطويل : | إذا مت فأنعيني بما أنا أهله | وشقي علي الجيب يا ابنة معبد | ( وقال عليه الصلاة والسلام : من ناح عند المصيبة كتب اسمه في ديوان المنافقين ) وفي الزواجر قال أصحابنا وغيرهم ويتأكد لمن ابتلي بمصيبة بميت ، أو في نفسه أو أهله أو ماله ، وإن خفت أن يكثر من قول إنا لله وإنا إليه راجعون أأجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيرا منها لخبر مسلم ، إن من قال ذلك آجره الله وأخلف له خيرا منها ، ولأنه تعالى وعد من قال ذلك بأن عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، وأنهم المهتدون أي للترجيح أو للجنة والثواب ( وقال عليه الصلاة والسلام : صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة مزمار عند نعمة ) أي زمر بالمزمار عند حادث سرور ( ورنة ) بتشديد النون أي صيحة ( عند مصيبة ) رواه البزار عن أنس بإسناد صحيح ( وقال عليه الصلاة والسلام : من خرق بيده جيبا ) وهو ما ينفتح من القميص على الصدر ( أو خدش خدا ) أي جرحه بالأظفار ( أو ضربه ) أي الخد ( أو ناح عند المصيبة كان عاصيا لله ورسوله ) وفي رواية ابن ماجه وابن حبان عن أبي أمامة لعن الله الخامشة وجهها والشاقة جيبها ، والداعية بالويل والثبور ، أي وذلك كقولها يا حزني ويا هلاكي ، فالويل الحزن والثبور الهلاك . ( وقال عليه الصلاة والسلام : لا يحل للمرأة أن تطرح شعر رأسها عند المصيبة فإن طرحت شعر رأسها ، كتب الله لها بكل شعرة حية على أعضائها يوم القيامة ، وكانت ممن عصى الله ولعنها الله والملائكة والأنبياء والناس أجمعون ) وفي رواية للنسائي عن أبي موسى الأشعري بإسناد صحيح : ليس منا من سلق ولا من حلق ولا من خرق ، أي ليس من أهل سنتنا من رفع صوته في المصيبة بالبكاء والنوح ، ولا من حلق شعره في المصيبة ، ولا من خرق ثوبه جزعا . ( وقال صلى الله عليه وسلم : ليس منا ) أي من أهل طريقنا ( من لطم الخدود ) أي عند المصيبة وخص الخد بذلك لكونه الغالب في ذلك ، وإلا فضرب بقية البدن داخل في ذلك كذا أفاد العزيزي ( وشق الجيوب ) جمع جيب وهو ما يفتح من القميص ليدخل فيه الرأس للبسه ، وجمع الخدود والجيوب باعتبار إرادة الجمع للتغليظ ( ودعا بدعوى الجاهلية ) وهي زمن الفترة قبل الإسلام ، أي نادى بمثل ندائهم نحو واكهفاه واجبلاه واسنداه رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود . وليس المراد بهذا الحديث إخراج من فعل ذلك من الدين ، ولكن فائدة قوله ليس منا المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاتبته لست منك ولست مني ، أي ما أنت على طريقتي ، وفي المعنى ليس على ديننا الكامل ، وكأن السبب في ذلك ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء . وروي في الحديث : من أصابته مصيبة فخرق عليها ثوبا أو لطم خدا أو شق جيبا أو نتف شعرا ، فكأنما أخذ رمحا يريد أن يحارب به ربه انتهى . |
1 ( الباب الأربعون في فضيلة الصبر عند المصيبة ) 1
وفي الحديث ما أصيب عبد بمصيبة إلا لذنب لم يغفر إلا بها ، أو درجة لم
Sayfa 75