الكفار يقاتل، وإن علم أنه يقتل، وكما أنه يجوز أن يقاتل الكفار حتى يقتل جاز ذلك أيضًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- ولكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار كالأعمى يطرح نفسه على الصف أو العاجز فذلك حرام ودخل تحت عموم آية التهلكة.
- وإنما جاز الإقدام إذا علم أنه لا يقتل إلا أن يقتل، أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جراءته واعتقداهم في سائر المسلمين قلة المبالاة وحبهم للشهادة في سبيل الله تعالى فتكسر بذلك شوكتهم.
- فكذلك يجوز للمنكر بل يستحب أن يعرض نفسه للضرب أو القتل إذا كان لإنكاره تأثير في رفع المنكرات، أو كسر جاه الفاسق أو فيه تقوية قلوب أهل الدين.
فأما إن رأى فاسقًا وحده وعنده سيف وبيده/ قدح وعلم أنه لو أنكر عليه لشرب القدح وضربه بالسيف فهذا مما لا أرى فيه للإنكار وجهًا وهو عين الهلاك، فإن المقصود أن يؤثر في الدين أثرًا ويفديه بنفسه فأما تعريض النفس للهلاك من غير أثر فلا وجه له في الدين، بل ينبغي أن يكون هذا حرامًا، انتهى.
فإن قلت: فهؤلاء الذين ذكرتهم قد عرضوا أنفسهم للهلاك فهلكوا ولم يؤثر إنكارهم في الدين أثرًا.
فالجواب: أن هؤلاء إنما أقدموا على الإنكار بقصد أن يؤثروا أثرًا في الدين وأن يصدعوا بما أمروا به من الإنكار على الظالمين، فإذا لم يحصل أثر كفاهم قصدهم حجة عند الله تعالى، ووقع أجرهم على من لا يضيع أجر المحسنين، كما إن المنغمس في الكفار لو حصل له حال انغماسه ضربة فمات قبل أن يقتل أحدًا منهم أو يجرحه لم يؤاخذ بتغريره بنفسه، وكان شهيدًا باعتبار قصده وإن لم يحصل.
وجواب آخر: وهو أن في إقدامهم وفاء لما ندبهم إليه الشارع وإرهابًا
1 / 73