فيها من دسيسة الالتفات إلى رؤية ما فيها أمسك ولم يسترسل فيما هو فيه مع شيء يشوب الإخلاص، وانظر لما رأى الخلق كيف طلب الخروج من البلد لئلا يكون إنكاره المنكر وسيلة إلى التعرف بأمير المؤمنين أو إلى الشهرة بين الناس فمثل هذا ينبغي أن يتصدى للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وإلا فلا.
(فما كل مخضوب البنان بثينة ... ولا كل مسلوب الجنان جميل)
فما أخلص لله النية أثر كلامه في القلوب القاسية فلينها، وفي الألسن الذربة فقيدها، وفي أيدي السلطة فعقلها.
وأما زماننا هذا فقد قيد الطمع ألسن العلماء، فسكنوا إذا لم تساعد أقوالهم أفعالهم، ولو صدقوا الله لكان خيرًا له.
فإذا نظرنا إلى فساد الرعية وجدنا سببه فساد الملوك، وإذا نظرنا إلى فساد الملوك وجدنا سببه فساد العلماء / والصالحين، وإذا نظرنا إلى فساد العلماء والصالحين وجدنا سببه ما استولى عليهم من حب المال والجاه.
اللهم استر فضايحنا وتولى مصالحنا، وخذ بأزمة قلوبنا إليك، واستعملنا فيما يرضيك يا أرحم الراحمين.
وأما من تعرض للأمراء والسلاطين لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وأغلظ لهم القول فأكرمه الله بالشهادة وأعد له الحسنى وزيادة فكثير. وقد ذكر أهل التفسير في قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ٢١].
قالوا: وروى أبو عبيدة بن الجراح أن النبي ﷺ قال:
1 / 68