لا يخاف الله يا ظالم نفسه يا من ليس له مروءة، ونحو هذا من الكلام، ويراعي الصدق في ذلك، فإن مثل هذا الكلام ليس عليه فيه شيء إذ هو صدق في الحقيقة، وليحذر أن يسترسل به الغضب إلى الخروج إلى الكلام بما لا يجوز له مما هو كذب في نفس الأمر، أو باطل أو فاحش ونحو هذا.
واعلم أن هنا دقيقة عظيمة مهمة – قل من ينتبه لها – وهو أنه يجب أن يكون قصده بتغليظ الكلام وتخشينه رجوع العاصي عن تلك المعصية لا الانتصار لنفسه، لكونه رد كلامه واستهزأ به، فإنه ربما يكون مخلصًا في ابتداء الإنكار، فإذا استهزأ به ثارت نفسه، وأغلظ في الكلام، وربما وقع في الفحش والكذب واللعن والضرب، ربما تعلق به واستعدى عليه إلى الحاكم، وكل ذلك في الحقيقة انتصار لنفسه لا غضب لله ولمحارمه، فخرج بهذا عن دائرة الإخلاص، ووقع في مهوات الغضب والحمق المنهي عنه، وصار ممن يجب الإنكار عليه بعد أن كان منكرًا، ومثال هذا كمن يغسل الدم من ثوبه ببول الكلب فلينتبه المنكر لهذا فإنه قل من يسلم منه.
فإن قلت: بم يفرق بين الغضب لله والانتصار للنفس؟ قلت: محك الاعتبار في هذا أن ينظر في نفسه لو حصل له سب وشتم واستهزاء مع زوال المنكر هل كانت نفسه ترضى بذلك وتسكن إليه؟ فإن وجدها راضيةً بذلك مطمئنة به صابرة على ما نالها من السب / والاستهزاء محتسبة له عند الله تعالى، علمنا بذلك أنه مخلص، وأنه ما كان قصده إلا وجه الله تعالى، وتغيير المنكر وقد حصل مقصده، فمثل هذا لا حرج عليه إذا سب أو غلظ الكلام إذا تبين أنه مخلص في جميع ذلك.
وإن وجد نفسه لا ترضى بذلك، ولا تصبر عليه، بل كان يقابله بما تصل إليه الاستطاعة من السب والأذى، علمنا أن ثم دسيسة نفسية من حب الرئاسة
1 / 53