يعقد فصلا تاليا للترجمة لمن تولوا تلك الخطة معتمدا في ذلك كتاب الاستيعاب لابن عبد البر في الأغلب، وكثيرا ما يؤيد تراجم الاستيعاب بالإحالة على سيرة ابن هشام، ثم إنه يبين ما يحتاجه القارىء من فوائد لغوية، ومراجعه في هذه الناحية كثيرة في طليعتها الصحاح للجوهري والمحكم لابن سيده وديوان الأدب للفارابي وكتب الأفعال والمخصص لابن سيده ... الخ تلك المصادر؛ فإذا كان الأمر يتعلق بشرح ألفاظ الأحاديث أحال على المشارق للقاضي عياض وعلى غيره مما يتصل بهذا الباب، وأحيانا يورد فقرة بعنوان «تنبيه» تحتوي فائدة خارجة عن نطاق اللغة، أو تكون بمثابة إحالة إلى ما مرّ أو ما سيأتي بيانه. وبهذا التخطيط الدقيق للكتاب لم يبق المؤلّف مجالا للمحقق، إلا مجالا ضيقا، في الشرح والتوضيح، ولكنه يكلف المحقق جهدا بالغا في تتبع المصادر المعتمدة، والمقارنة والتأكد من مدى الصحة في المنقولات. وربما أخذ على المؤلف إسرافه في تتبع المعاجم اللغوية، فهو يعتمد عددا من المعجمات في تفسير مادة واحدة، مع أن واحدا منها كان يغني عن سائرها؛ ولشغفه بالإكثار من المراجع تراه يقطع النقل عن هذا المصدر ويبدأ النقل عن مصدر آخر، ولو استمرّ في نقله عن الأوّل لجاء بشرح واف بالمراد. وأنت تعجب أحيانا لماذا يعتمد «ديوان الأدب» في شرح «كفر» بمعنى غطّى ولا يعتمد المحكم أو الصحاح، ويجعل اعتماده على واحد منها مطردا إلى أن يستكشف زيادة مهمة في معجم آخر. على أن هذا بعد كل ذلك إنما يعدّ عيبا لا ضرر فيه، وإن كان مرهقا للمحقق.
وقد أفاد المؤلف كثيرا من خبرته في توليه ديوان العساكر مدة طويلة، ولذلك جاء الجزء الخامس وهو في العمالات الجهادية من أكبر الأجزاء إذ احتوى من الأبواب على خمسة وأربعين جمعت جميع الجوانب المتصلة بمهمات الحرب. وتعدّ الأجزاء:
الرابع في العمالات الأحكامية، والسادس في العمالات الجبائية من أهم الأبواب مع الخامس في تبيان «تركيب» الدولة في عهد الرسول والخلفاء الراشدين. أما الباب الخاص بالحرف والصناعات (وهو التاسع) فإنه مكمّل لتصور المجتمع الإسلامي بالإضافة إلى تصوّر بناء الدولة، ولكنه خارج عن غرض المؤلف في إزالة البدعة التي تلصق بأصحاب الخطط السلطانية، فلا أحد يقول إن بيع الطعام أو القيام بالنسج أو البناء أو الصيد أو الطبخ بدعة، وهذه الحرف لم تبدأ على عهد الرسول، وإنما هي حصيلة الحاجة والاجتماع الإنسانيين، نعم كان يمكن القول بأن بعض الحرف
1 / 11