من ذلك العام تولّى السلطنة أبو فارس موسى بن المتوكل على الله المريني، فقدّم الخزاعي كتابه هدية إليه «جريا على العادة في إتحاف المملوك الخادم لمولاه القادم، وعملا على ما جاء عن النبي ﵇ من الحضّ على الهدية والأمر بها» .
ويختصر المؤلف السبب الذي حدا به إلى تأليف كتابه بأنه رأى كثيرا ممن لم ترسخ في المعارف قدمه، وليس له من أدوات الطالب إلّا مداده وقلمه، يظنون أن تولي الأعمال السلطانية بدعة، وأنها بدعة تجرّ على صاحبها الاثم، وأنه كان من الأجدر به الترفع عنها؛ وتبديدا لهذا الجهل جمع مادة كتابه ليثبت أن «العمالات الشرعية» ليست شيئا مستحدثا، وإنما هي خطط وجدت أيام الرسول، وتولاها كثير من الصحابة، فمن تولاها من بعد لم يخرج عن النهج المرضيّ، بل إنه ليحرز الشرف الكبير لأنه يجد نفسه واقفا في ركب صحابي جليل، وكذلك يقال أيضا في أصحاب الحرف والصنائع، فإن أي قارىء لهذا الكتاب سيجد الحقيقة الصادقة التي تزيل عن أصحاب الخطط وأصحاب الحرف وصمة البدعة.
ولعلّ هذا كله مستمدّ من واقع المؤلف، فإنه قضى معظم عمره في خطة سلطانية، وعلى ذلك كان أبوه وجده من قبل، وليس بمستبعد أن يكون قد واجه نقدا لانخراطه في سلك الدولة، ومصاحبته للسلطان، فإن النغمة المنفّرة عن مصاحبة السلطان التي ظهرت بظهور موجة زهدية في القرن الأول لم تكن- فيما يبدو- قد تبدّدت؛ وإن حاول كتاب السياسة- على مر الزمن- احتواءها بما رسموه من آيين وما سنّوه من رسوم في مصاحبة السلاطين.
وقد قسم الخزاعي كتابه في عشرة أجزاء: ثمانية منها في العمالات وواحد في الحرف والصناعات وباب ختامي، وانقسمت الأجزاء العشرة في ١٧٨ بابا، وتبدو دقة المؤلف في هذا الترتيب الذي سار عليه في كتابه، في الأجزاء والأبواب والفوائد، وتوزيعه للمادة في مواضعها، وعدم تورطه في التكرار سهوا، وتكراره لبعض المعلومات عمدا لأنها قد تقع في غير باب واحد؛ وتتجلى دقته في الإحالة على مصادره، وفي ذكر قائمة منها في آخر فصل من فصول كتابه، بحيث نقول إن الخزاعيّ يحترم النصّ ويعامله بأمانة؛ وقد جعل منهجه في كتابه أن يتحدث عن الخطة أو عن جانب منها في فصل من الفصول معتمدا على ما جاء في كتب الحديث بخاصة، ثم
1 / 10