ولم يصرّح بذلك لأنه لم يؤمر فيه بشيء، وكان لا يصنع شيئا في دين الله إلا بوحي، والخلافة ركن من أركان الدين. ومن الدليل الواضح «١» على ما قلناه ما حدّثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان، وذكر حديث محمد بن جبير بن مطعم الذي خرّجه مسلم (٢: ٢٣١) رحمه الله تعالى والنص لمسلم عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه: أن امرأة سألت رسول الله ﷺ شيئا فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول الله فإن لم أجدك «٢»؟ - قال أبي: كأنها تعني الموت- قال: فإن لم تجديني فأتي أبا بكر.
قال أبو عمر ابن عبد البر: في هذا الحديث دليل على أن الخليفة أبو بكر.
وقال القاضي أبو الفضل عياض في «الاكمال»، رحمه الله تعالى: فيه من الحجة صحة إمامة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وأن النبي ﵇ أخبر أنه سيكون إماما بعده، ولو لم يكن لها أهلا لما أمر بالمجيء إليه. انتهى.
وقوله في الحديث «قال أبي» قال القاضي: قال هذا عن أبيه محمد بن جبير. انتهى.
وذكر الحافظ أبو عمر أيضا في «الاستيعاب» (٩٦٩) الحديث الذي يرويه الزّهريّ بسنده عن عبد الله «٣» بن زمعة بن الأسود قال: كنت عند رسول الله ﷺ وهو عليل، فدعاه بلال إلى الصلاة فقال لنا: مروا من يصلي بالناس. قال: فخرجت فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائبا، فقلت: قم فصلّ بالناس، فقام عمر، فلما كبّر سمع رسول الله ﷺ صوته وكان عمر مجهرا، فقال رسول الله ﷺ: فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، فبعثت إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلّى عمر تلك الصلاة، فصلّى بالناس طوال علته حتى مات، ﷺ.
_________
(١) الاستيعاب: الدلائل الواضحة.
(٢) مسلم: أرأيت إن جئت فلم أجدك.
(٣) م ط: عبد الرّحمن، وأثبت ما في الاستيعاب.
1 / 44