الصمت زاوية باردة مظلمة ثواري المخزيات لو عرف الجاهل معنى
المخزية. . .!
إن العجز مِطواع؛ وإن كل ما يعني أهلَ الحزم يهم به العاجز ويراه سهلًا.
لأن ذلك يحقق معنى عجزه؛ وما زال من يعجز عن الكتابة هو الذي يريد أن
يصلح لغتها وأساليبها، ومن يعجز عن الشعر هو الذي يقول في إصلاحه أوسع القول، وهلُمَّ إلى أن تستوعب الباب كله فقد قالوا إننا نخاطب الدهماء
والأجلاف ومن يسفُّ إلى منازلهم بكلام أهل نجد وألفاظ أهل السَّراة ونتوهم
من سبل الحضارة بَوادي قيس وتميم وأسد، وبالجملة فنحن نضرب في حدود
الفوضى التي لا وجه فيها ولا مخرج منها، وفي ذلك مَزأرَة بالأدب ومضرَّة على الأمة وفساد كبير.
قالوا هذا وما يجري مجراه ويذهب في نزعته ولم يستحوا أن يصدعوا به
وهم يرون إلى جانبهم من المستشرقين أعاجم قد فصُحوا وأقبلوا على آدابنا
وتاريخنا فوسعوها بما اتسع لهم من العلم، وأحاطوا بها ما أطاقوا، بل كادوا
يكونون أحق بها وأهلها: وقد كانوا في غنى عن كل ذلك بلغاتهم وآدابهم وما أفاء الله عليهم ومكن لهم فيه، ثم لم يشفق أصحابنا أن يبتلوا تاريخهم بالعقوق وهو الثْكل الذي لا عزاء معه، فأرادونا على أن نخلع بأنفسنا هذا التاريخ لا نعطيه طاعة، ولا نبايع له منا عن جماعة ثم نكون كزنوج أفريقيا إذا غابت عنهم الشمس غاب عنهم التاريخ وإذا طلعت عليهم استأنفوا تاريخًا جديدًا. . .!
أليسوا ينقمون منا أننا نشد أيدينا على لغة لسيت لنا، فلِم لا ينقمون أننا
نصرف وجوهنا إلى قبلة ليست في أرضنا؟ ثم يقولون إنهم يهجنون التصرف في اللغة وإرسال الألفاظ والأساليب على وجوهها العربية، ويريدون أن يزيلوا التدبير في هذه الصناعة عن هذا الوجه، لأنهم لا يحسنونه ولا ينفذون فيه إذا تعاطوه، ويريدون فوق ذلك أن يطرحوا عنا كذ الصناعة لتكون خاتمة عجائبنا في هذا الجيل صناعة بلا كد.
ولعمري كيف يؤاتيهم هذا الأمر أو يستوسق لهم إذا قلبوا أوضاع الكلام
وزايلوا بين أوصاله وذهبوا فيه مذهب الترقيع في الخلق بالجديد وفي الجديد
بالخلق.
1 / 37