أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة
[النساء: 78] وقال تعالى:
قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل
[الأحزاب: 16]. وإذا كان الآجال مؤقتة محصورة لا يقع فيها تقديم وتأخير كما قدر الله تعالى؛ لم ينفع الفرار من الطاعون وغير ذلك.
وقد روي: أن عمر رضي الله عنه أراد أن يدخل الشام وبها طاعون، فاستشار أصحابه بذلك، فأشار إليه بعض المهاجرين بالرجوع، فعزم على الرجوع، فقال له أبو عبيدة: (يا أمير المؤمنين، أتفر من قدر الله تعالى؟!) فقال عمر رضي الله عنه: (لو كان غيرك يقولها يا أبا عبيدة! نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل فهبطت بها واديا له عدوتان؛ إحداهما خصبة والأخرى جدبة، ألست إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله). فجاء عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال: (عندي في هذا علم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إذا وقع هذا الرجز في أرض فلا تدخلوها عليه، وإذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا عنها "
فحمد الله تعالى عمر رضي الله عنه ورجع.
فإن قيل: إذا كانت الآجال مقدرة لا تتقدم ولا تتأخر، فما وجه النهي منه صلى الله عليه وسلم عن دخول أرض بها طاعون؟ وأي فرق بين دخولها وبين إبقائه فيها؟ قيل: وجه النهي عن الدخول أنه إذا دخلها وبها طاعون فجائز أن يدركه أجل بها فيقول قائل: لو لم يدخلها ما مات، كما قال:
يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم
[آل عمران: 156] فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل أرضا فيها طاعون لما يخشى أن يموت فيها أحد بأجله، فيقول الجهال: لو لم يدخلها لم يمت.
Bilinmeyen sayfa