{ و } بعد تميزه وفصله سبحانه { ما كان الله ليطلعكم } أي: جميعكم { على الغيب } الذي هو الاطلاع على خفيات ضمائر عباده { ولكن الله } المحيط بجميع القابليات { يجتبي } ويختار { من رسله من يشآء } بأن يوحي إليه، ويلهمه التمييز بين استعدادات عباده للإيمان والكفر، وإذا كان أمركم عند الله ورسوله { فآمنوا } أيها المؤمنون { بالله } المميز لكم أصالة { ورسله } الملهمين بالتمييز بأمره تبعا { وإن تؤمنوا } وتحافظوا على شعائر الإيمان بعدما آمنتم { وتتقوا } عن مخالفاته { فلكم } عند الله { أجر عظيم } [آل عمران: 179] هو إيصالكم إلى التحقيق بمقام العبودية والتوحيد؛ إذ لا أجر أعظم منه.
{ و } من جملة الأمور التي يجب الاتقاء والتحرز عنه: البخل { لا يحسبن } البخلاء { الذين يبخلون بمآ آتاهم الله من فضله } اختيارهم تدخيرا أو توريثا لأولادهم { هو } أي: البخل { خيرا لهم } ينفعهم عند الله، ويثيبهم به أو يدفع عنهم العذاب بسببه { بل هو شر لهم } يستجلب العذاب عليهم؛ إذ هم { سيطوقون } ويسلسلون مع { ما بخلوا به يوم القيامة } ويسحبون على وجوههم إلى نار البعد والحرمان؛ جزاء لبخلهم الذي كانوا عليها.
{ و } اعلموا أيها المؤمنون { لله } لا لغيره؛ إذ لا غير { ميراث } أي: حيازة وإحاطة ما في { السموت } أي: عالم الأرواح { و } ما في { الأرض } أي: علام الأجسام تملكا وتصرفا، لا ينازعه في ملكه، ولا يشارك في سلطانه، له الحكم، وإليه الرجوع في جميع ما كان ويكون { والله } المتوحد، المتفرد في ملكوته وجبروته { بما تعملون } من التصرفات الجارية { خبير } [آل عمران: 180] لا يغيب عن شيء من أفعالكم وأقوالكم.
[3.181-184]
كما أخبر سبحانه عن علمه بقول اليهود وبقوله: { لقد سمع الله قول الذين قالوا } استهزاء وسخرية حين نزل:
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه
[الحديد: 11] { إن الله فقير } استقرض منا { ونحن أغنيآء } وبعدما سمعنا منهم { سنكتب ما قالوا } اي: قولهم هذا { وقتلهم الأنبياء بغير حق } فيما مضى في صحائف أعمالهم، في نظم واحد، ونجازي عليهم يوم الجزاء { ونقول } لهم وقت جزائهم: { ذوقوا } أيها المفرطون، المسيئون للأدب مع الله ورسوله { عذاب الحريق } [آل عمران: 181] المحرق غاية الإحراق، بحيث يذوق إحراقه أجسامكم وجميع قواكم.
ولا تنسبونا في هذا التعذيب إلى الظلم والعدوان؛ إذ { ذلك } العذاب { بما قدمت } واقترفت { أيديكم } من المعاصي العظيمة التي هي من جملتها: قولكم هذا، وقتلكم الأنبياء فيما مضى { و } اعلموا { أن الله } المنتقم من عباده { ليس بظلام } بذي ظلم { للعبيد } [آل عمران: 182] أي: للذين ظلموا في دار الدنيا، بل يجازيهم وينتقم منهم على مقتضى ظلمهم بلا زيادة ونقصان؛ عدلا منه.
والمعذبون بالعذاب الحرق هم { الذين قالوا } افتراء على الله في تعليل عدم إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن الله عهد إلينا } في التوراة، وأوصانا { ألا نؤمن } نقر { لرسول } أي: لكل رسول يدعي الرسالة من عنده، ويظهر المعجزات وفق عدواه { حتى يأتينا } في أظهرنا وبين أيدينا { بقربان تأكله } تحيلة { النار } النازلة من السماء؛ وذلك أنهم ادعوا أن أنبياء بني إسرائيل يتقربون إلى الله بقربان، فيقوم النبي يدعو، والناس حوله، فتنزل نار من جانب السماء فتحيل القربان إلى طبعها فجأة، وإحالته نارا علامة قبول الله قربانهم.
{ قل } يا أكمل الرسل تبكيتا وإلزاما: { قد جآءكم رسل من قبلي بالبينات } أي: بالمعجزات الواضحة، الدالة على رسالاتهم { و } خصوصا { بالذي قلتم فلم قتلتموهم } مع إتيانهم بما اقترحتموهم { إن كنتم صادقين } [آل عمران: 183] بأن إيمانكم موقوف على هذه المعجزة.
Bilinmeyen sayfa