445

[23.109-118]

أما تستحيون أيها المسرفون تذكروا ما أنتم عليه { إنه } أي: إن شأنكم وأمركم في دنياكم { كان فريق من } خلص { عبادي يقولون } متضرعين متحننين نحونا راجعين العفو والرحمة منا بقولهم: { ربنآ } كما ربيتنا بأنواع الكرم { آمنا } وصدقناك بالربوبية والألوهية { فاغفر لنا } ذنوبنا واستر لنا عيوبنا { وارحمنا } تفضلا علينا وامتنانا { وأنت خير الراحمين } [المؤمنون: 109] إذ رحمتك بنا لا تعلل بغرض منك وعوض منا.

ومتى سمعتم مناجاتهم هذه، ودعاءهم هذا { فاتخذتموهم سخريا } وصرتم مستهزئين بأقوالهم وأعمالهم، متمادين في الهزء والسخرية، متوغلين في الغفلة والغرور { حتى أنسوكم } جهلكم وغفلتكم { ذكري } والتوجه نحوي، والرجوع إلي بل صرتم غافلين ذاهلين، محرومين عن كمال الإنسان، منحطين عن رتبة الخلافة، مستحقين لأنواع السخرية والضحكة { و } مع ذلك { كنتم منهم تضحكون } [المؤمنون: 110] مع أنهم ساعون نحونا، سالكون في طريق توحيدنا، طالبون الوصول إلى ما هم جبلوا لأجله.

لذلك { إني } من كما لطفي وإشفاقي معهم { جزيتهم اليوم } أحسن انلجزاء { بما صبروا } على أذاكم أيها الجاهلون في النشأة الأولى، وهم بسبب صبرهم وتمكنهم على أذاكم في دنياكم حفظا لدينهم وإيمانهم { أنهم } القوم { هم الفآئزون } [المؤمنون: 111] المقصورون على الفوز والفلاح إلى ما هو النجاة و النجاح، ب

لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

[البقرة: 38].

وبعدما صاروا مخلدين مؤبدين في النار، صاغرين مهانين فيها { قال } قائل من قبل الحق على سبيل التوبيخ والتقريع إظهارا لقبح استبدالهم، واختيارهم الأدنى بدل الأعلى: { كم لبثتم } أيها الضالون المسرفون { في الأرض } التي كنت تستكبرون عليها خيلاء مغرورين { عدد سنين } [المؤمنين: 112] أي: كم مدة وسنة استقررتم عليها متفوهين؟!.

{ قالوا } مستقصرين مستحقرين: { لبثنا } عليها { يوما أو بعض يوم } أي: بل بعض يوم بالنسبة إلى هذه الأيام الطوال التي كنا فيها مذنبين، بل نسينا نحن مدة ما كنا عليها لغاية قصرها ولا نقدر عليها { فسئل العآدين } [المؤمنون: 113] المعاصرين بنا من أهل القبول والسرور، والموكلين علينا من الموكلين علينا من الملائكة، المستحضرين لأعمارنا وأعمالنا وجميع ما كنا عليها من الأحوال.

{ قال } القائل المذكور في جوابهم تصديقا لهم في مقالهم واستقلالهم: { إن لبثتم } أي: ما لبثتم فيها { إلا قليلا } قصيرا في غاية القلة والقصر { لو أنكم } أيها الضالون المسرفون { كنتم تعلمون } [المؤمنون: 114] في أنفسكم طول مدة العذاب وعدم تناهيها، لما اخترتم لأنفسكم ما يستجلب عليكم العذاب ويوقعكم فيه، ومع جهلكم هذا لم تقبلوه من الأنبياء العارفين الهادين أيضا، بل أنكرتم عليهم واستهزأتم مستكبرين مستنكرين.

{ أ } تزعمون أيها الجاهلون المعاندون أن أفعالنا خالية عن الحكمة والمصلحة ومقدوراتنا صدرت عنا حشوا بلا طائل { فحسبتم } وظننتم بل جزمتم وأيقتنم { أنما خلقناكم } وأظهرناكم من كتم الع دم { عبثا } أي: عابثين ساعين فيها بلا طائل مرتكبين لهم بلا حكم ومصالح { و } أيضا ظننتم أيها الغافلون الجاهلون { أنكم إلينا لا ترجعون } [المؤمنون: 115] للجزاء وتنقيد الأعمال وعرض الأحوال.

Bilinmeyen sayfa