433

{ أولئك } السعداء المقبولون عند الله { هم } الأولياء { الوارثون } [المؤمنون: 10] عن الأنبياء والرسل وصفوة عباد الله وخيرتهم وهم: { الذين يرثون الفردوس } الذي هو التحقق بمقام الكشف والشهود باستحقاقهم الذاي مع استرشادهم، واستفادتهم من الأنبياء والرسل الهادين المهديين المرشدين لهم إلى ما جبلوا لأجله لذلك { هم فيها خالدون } [المؤمنون: 11] متمكنون متقربون، لا يتحولون ولا يتبدلون.

[23.12-20]

{ و } كيف لا يرثون الفردوس ولا يخلدون فيها مع أنهم جبلوا لأجلها، سيما إذا كملوا سلوكهم وتمموا نسكها على الوجه الذي هداهم الأنبياء والرسل والأولياء الراشدون الذين هم خلفاء عن الرسل الكرام والأنبياء العظام - عليهم التحية والسلام - إذ { ولقد خلقنا الإنسان } أي: أظهرنا وقدرنا جسم آدم وبنيه أولا { من سلالة } أي: ربدة وخلاصة منتخبة { من طين } [المؤمنون: 12] الذي هو مادة جميع الأجسام السفلية وأقوى عناصرها وهيولاها.

{ ثم جعلناه } وصيرناه؛ أي: ما انتخبنا من الطين { نطفة } بيضاء وقررناها زمانا { في قرار } ومستقر { مكين } [المؤمنون: 13] حصين متين هي الرحم.

{ ثم } بعدما مكناها في المقر المكين مدة { خلقنا } وصيرنا { النطفة } المقررة المتمكنة في الرحم { علقة } أي: لحما متصلا ملتصقا أجزاؤها إلى حيث صارت قابلة للمضغ { فخلقنا } بعد ذلك { العلقة مضغة } المتلصقة المتصلة بعد انفصالها وتفريقهما التقديري { فخلقنا المضغة عظاما } صلبة خارجة عن قابلية المضغ والتليين، متقومة غير مائلة لتكون قوائم وأعمدة للجسم { فكسونا العظام } الصلبة القابلة للكسر والانكسار { لحما } لحما صونا لها عما يضرها ويكسرها، فتم حنيئذ تركيب صورته الجسمية وقالب الطبيعية بجميع لوازمها ومتمماتها من العروق والعظام والأعصاب والغضاريف والشريانات وغيرها { ثم } بعدما تم تركيبه وكمل مزاجه وتصويره على أبدع وجه وأعجبه، وصار حيوانا حساسا متحركا بالإرادة كسائر الحيوانات { أنشأناه } أي: أبدعناه واخترعناه فيه خاصة { خلقا آخر } إبداعيا مخصوصا بهذا الجسم بين سائر الأجسام، وهو نفخنا فيه من روحنا ليتصف بأوصافنا ويتخلق بأخلاقنا ويستحق بخلافتنا ونيابتنا، ويليق لأن يصير مرآة لنا قابلة لانعكاس أضلال أسمائنا الحسنى وأوصافنا العليا { فتبارك } أي: تعالى وتعاظم { الله } القادر المقتدر بالقدرة الكاملة على أمثال هذه التبدلات والتطورات التي تحيرت العقول عندها، وانحسرت الأفهام دونها، وهو في ذاته { أحسن الخالقين } [المؤمنون: 14] المقدرين تقديرا وخلقا، وأتمها إبداعا واختراعا لو فرض مقدر غيره، مع أنه محال عقلاء وعادة.

{ ثم إنكم } يا بني آدم { بعد ذلك } أي: بعدما أتم صوركم ومعناكم { لميتون } [المؤمنون: 15] بالآجال المقدرة من عندنا لانقضاء حياتكم في النشأة الأولى.

{ ثم إنكم يوم القيامة } المعدة للعرض والجزاء { تبعثون } [المؤمنون: 16] وتحشرون لانتقاد ما اكتسبتم في النشاة الأولى.

ثم أخذ سبحانه في تعداد نعمه على عباده تفضلا عليهم وامتنانا فقال: { ولقد خلقنا فوقكم } أي: جانب علوكم { سبع } سماوات { طرآئق } أي: متطارقة متطابقة بعضها فوق بعض، مشتملة على كواكب لا في السفليات من الأشياء المتعلقة لمعاشكم { و } بالجملة { ما كنا } في حال من الأحوال السابقة واللاحقة { عن الخلق } أي: عن جميع المخلوقات المستندة إلينا، الظاهر من امتداد أظلالنا { غافلين } [المؤمنون: 17] ذاهلين عن حفظها وتفقدها.

{ و } من كمال جودنا ووفور رحمتنا إلى عموم عبادنا { أنزلنا من السمآء مآء } بعدما أصعدنا الأبخرة والأدخنة من الأرض، وركبناها تركيبا أنيقا عجيبا إلى أن صارت سحبا متراكمة متكاثفة، فتقاطر منها الماء بمجاورة الهواء ونفوذها، فأرسلنا إلى الأرض الجزر { بقدر } معلوم معتدل { فأسكنه } وأدخلناه { في الأرض } أي: تجاويفها ومساماتها حتى تدخر فيهاز

ثم جعلناه ينابيع تخرج منها مندرجة وتجري على قدر الحاجة تتميما لحوائج عبادنا وتيسيرا لهم في معاشهم.

Bilinmeyen sayfa