402

{ ولولا كلمة سبقت من ربك } يا أكمل الرسل في حق أمتك بدعائك لهم، وهو ارتفاع العذاب عنهم في دار الدنيا من المسخ والكسف، وغير ذلك من أهلكنا به الأمم الماضية { لكان } عذاب المنافقين اليوم { لزاما } أي: لزاما حتما لازما مبرما لظهر أسبابه منهم { و } لكن قدر له { أجل مسمى } [طه: 129] وهو يوم الجزاء.

{ فاصبر } يا أكمل الرسل { على ما يقولون } إلى حلول الأجل المسمى، ولا يضيق صدرك من قولهم: إنك لا تقدر على إتيان العذاب بمقتضى دعواك، لذلك تخوفنا بالقيامة الموهومة، فلو كنت رسولا مثل سائر الرسل لفعلت بنا ما فعلوا بأممهم { و } إذا سمعت أقوالهم الخشنة أعرض عنهم، ولا تلتفت إليهم، ولا تشغل إلى المعارضة معهم.

بل { سبح } ونزه ربك عما يقولون من إنكار يوم الجزاء تسبيحا مقرونا { بحمد ربك } شكرا لنعمائه وآلائه الواصلة إليك، وداوم عليه { قبل طلوع الشمس } بعد انتباهك من منام غفلتك، وقبل اشتغالك في أمور معاشك { وقبل غروبها } بعد فراغك عن كسب المعاش، وقبل استراحك بالمنام { ومن آنآء الليل } المعد للاستراحة إن أيقظت فيها { فسبح و } سبح أيضا { أطراف النهار } إذا فرغت عن الاشتغال { لعلك ترضى } [طه: 130] عن الله في جميع الأوقات، ويرضى الله فيها.

{ و } عليك الاعتزال من أبناء الدنيا وعدم الالتفات إلى لذاتهم بمتاعها ومزخرفاتها؛ بحيث { لا تمدن عينيك } حال كونك متحسرا متمنيا مثله { إلى ما متعنا به } المنافقين المشركين { أزواجا } أصنافا من كل شيء؛ لأن من أعطينا { منهم زهرة الحياة الدنيا } أي: زينتها وزخرفتها { لنفتنهم فيه } نجربهم، ونخبترهم كيف يعيشون بوجودها في الدنيا، هل يتكبرون ويفتخرون بسببها على الفقراء ويمشون على وجه الأرض خيلاء أم لا؟.

{ و } إذا نبهناك عن متاع الدنيا استرزق منا عما في خزائننا من المكاشفات والمشاهدات بدل تلك اللذات الفانية؛ إذ { رزق ربك } الذي رزقك بها؛ ليكون لك الكشف والشهود والتمكن في المقام المحمود { خير } لك من مزخرفات الدنيا ومموهاتها لأنها فانية زائلة لا ثبات لها { و } هو { أبقى } [طه: 131] لك لبقائه مع استعدادك إلى ما شاء اللهز

{ و } إذ رزقت ما رزقت تفضلا من ربك، فعليك أن تأمر من يلازمك ويؤانسك من أهل الطلب بالميل إلى ما رزقك الله؛ ليكون لهم نصيب مما تفضل الله به عليك من الرزق المعنوي لذلك أمرناك بقولنا: { أمر أهلك بالصلاة } الشاغلة جميع قوامهم عن التوجه إلى غيرنا؛ ليكون منبها عليهم على ما في استعدادهم { واصطبر عليها } أي: تحمل على متاعب تبليغها، ولا تقصر خوفا من انتقاص رزقك؛ لأنا { لا نسألك } أي: لا نسأل منهم { رزقا } وجعلا لأجلك منهم حتى يشق عليهم، بل { نحن نرزقك } وإياهم من مقام جودنا ونوال إفضالنا من غير أن ينقص من خزائننا شيء.

ونبههم أيضا على العواقب الحميدة المترتبة على الصلاة، وجنبهم عن شواغلها { و } قل لهم: { العاقبة } الحميدة { للتقوى } [طه: 132] أي: المتصفين بالتقوى؛ أي: الراضين عن الله بما يرضى لهم ويأمرهم، المجتنبين عما لا يرضى منه سبحانه.

ولما سمعوا كشفك وشهودك ورزقك الأوفى من عند ربك، وإرشادك على من آمن بك، أصروا على الإنكار { وقالوا لولا يأتينا } هذا المدعي للكشف والشهود { بآية من ربه } مقترحة لم نصدق ولم نقر برسالته، قل لهم يا أكمل الرسل: { أ } ينكرون إتيان الآيات المقترحة على الأمم الماضية { ولم تأتهم } في هذا الكتاب المعجز المذكر لهم { بينة ما في الصحف الأولى } [طه: 133] من إتيان الآيات المقترحة على الأنبياء الماضين، ومع ذلك لم يؤمنوا بهم أممهم، بل كانوا يكذبونهم ويصرون على ما كانوا عليه من الكفر والضلال، فهؤلاء أيضا أمثالهم.

{ و } قل لهم يا أكمل الرسل أيضا قولنا هذا { لو أنآ أهلكناهم بعذاب } نازل من عندنا لإصرارهم وعنادهم { من قبله } أي: من قبل إرسالك إليهم { لقالوا } حين نزول العذاب مثلما قالت تلك الأمم الهالكة عند نزوله: { ربنا لولا } هلا { أرسلت إلينا رسولا } من عندك { فنتبع آياتك } الالة على توحيدك { من قبل أن نذل } بهذا الإذلال { ونخزى } [طه: 134] بهذا الخزي والوبال.

وإن عاندوا معك بعد سماع هذه الدلائل الواضحة والتنبيهات اللائحة، أعرض عن مكالمتهم ومناصحتهم، و { قل } لهم كلاما يشعر باليأس عن إيمانهم وإصلاحهم { كل } منا ومكنم { متربص } منتظر لهلاك الآخر بسبب الشقاوة الإعراض عن الحق { فتربصوا } أو انتظروا أنتم لهلاكنا بشقائنا ، فإنا منتظرون أيضا بهلاككم بالشرك والطغيا، وإذا كشف الغطاء، وظهر يوم الحشر والجزاء { فستعلمون من أصحاب الصراط السوي } المستقيم المتمكن الغير المعوج المتلون، أنحن أم أنتم { ومن اهتدى } [طه: 135] منا من تيه الضلال إلى فضاء الوصال؟!.

Bilinmeyen sayfa