400

[البقرة: 35] { فنسي } عهدنا هذا لتغرير الشيطان له { ولم نجد له عزما } [طه: 115] رأيا صائبا في حفظ العهد حتى يوطن نفسه على مقتضى النهي.

{ و } اذكر لنقض عهده وقصور رأيه وقت { إذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم } أي: تذللوا له تكريما وتعظيما؛ لأنه أفضل منكم وأجمع لتجليات أوصافنا { فسجدوا } ووقعوا متذللين له على الأرض تكريما له، وامتثالا لأمر ربهم { إلا إبليس } من بينهم { أبى } [طه: 116] وامتنع عن سجوده لاستكباره وعتوه.

وإذ استكبر إبليس عن تعظيمه نبهنا عليه عداوته { فقلنا } له: { يآءادم } المكرم بسجود الملائكة { إن هذا } المشار إليه بالإشارة القريبة الممتنع عن سجودك وتعظيمك { عدو لك ولزوجك } يريد إفسادكما فاحذروا عن مصاحبته وتغريره، ولا تتكلما معه { فلا يخرجنكما من الجنة } إلى دار الابتلاء { فتشقى } [طه: 117] أنت يا آدم على الخصوص، أي: تتعب وتعيى بسبب كسب المعيشة؛ لأن معيشتك حينئذ من كد يمينك.

ولا تعب لك في الجنة، بل { إن لك } أي: حق وثبت لك أيضا { ألا تجوع فيها ولا تعرى } [طه: 118] أي: في الجنة لسعة طعام الجنة وثيابها.

{ وأنك لا تظمأ فيها } لأن العطش إنما هو من فرط الحرارة ولا حرارة فيها { و } كيف يكون فيها حرارة؛ إذ أهلها له { لا تضحى } [طه: 119] ولا يبرز منه الظل إلى الشمس من جهة البرودة؛ لأن أهلها لا يؤذون بالحرارة والبرودة.

فلما عاش فيها زمانا مستريحا بلا تعب ولا عناء أظهر إبليس عداوته، وأخذ يوسوس له ولزوجته ليخرجهما منها؛ لأ،هما ما داما في الجنة، لم يقدر على إضلالهما { فوسوس إليه الشيطان } أي: ألقى وسوسته في نفسه و { قال يآدم } على وجه النصيحة: هنيئا لك عيشك في الجنة بلا تعب ومحنة { هل أدلك على شجرة الخلد } إن أكلت منها يخلدك أبدا فيها { و } أهديك على { ملك لا يبلى } [طه: 120] أي: لا يخلق ولا يعتق، بل يتجدد دائما بتجدد الأمثال ، بلا انتقال وزوال.

وإذ وسوس إليهما سمعا قوله وقيلا وسوسته فنسيا عهد ربهما { فأكلا منها } حتى شيعا وأراد أن يتبرزا ويتغوطا، ثم لما اتكبا المنهي، وظهر منهما ما هو مناف لطهارة الجنة ونظافتها، أمر سبحانه بإخراجهما منها، فنزع أولا عنهما لباسهما؛ أي: لباس الطهارة والنجاة الفطرية والتقوى الجبلية { فبدت } ظهرت بعد نزع اللباس { لهما سوءاتهما } عوراتهما، فاضطروا على التستر والتغطي { وطفقا } أي: شرعا { يخصفان } ويلزقان { عليهما } أي: على عورتهما { من ورق الجنة } أي: من أوراق بعض أشجارها، قيل: هي ورق التين.

{ و } إذا كان حالهما كذلك قالت الملائكة: { عصى ءادم } المكرم المسجود له { ربه } الذي رباه بتناول ما يصلحه منها عن تناول ما يضره، بأن أعرض عن النهي، وبادر إلى ارتكاب المنهي بغرور الشيطان المغوي المضل { فغوى } [طه: 121] بإغوائه، وضل عن مراده الأصلي بتغرير العدو؛ لأن العدو إنما يلقى عدوه عكس مطلوبه.

{ ثم اجتباه ربه } بعدما ألهمه الإنابة والرجوع إليه، فاعترف بذنبه، ورجع إلى ربه تائبا بقوله:

ربنا ظلمنآ أنفسنا

Bilinmeyen sayfa