361

{ ولولا } أي: هلا وقت { إذ دخلت } أيها المدبر العاقل { جنتك } التي افتخرت بها { قلت } بدل قولك: { مآ أظن أن تبيد هذه أبدا } [الكهف: 35] { ما شآء الله } أي: ما شاء وأراد دوامها تتأبد وما لم يشأ لم تتأبد؛ إذ { لا قوة } ولا قدرة للتأبيد والتخريب { إلا بالله } أصالة وحقيقة، وأنت أيها الكافر المسرف المنكر { إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا } [الكهف: 39] فعيرتني وعرضت علي أولادك وزخارفك بطرا وبوحا، مع أني أكثر منك إيمانا وعرفانا وثقة على الله واتكالا.

{ فعسى ربي } وأرجو من كمال فضله وجوده { أن يؤتين خيرا } أي: أزريد حسنا وبهاء وأكثر بركة ودخلا { من جنتك } التي تتفوق وتتفضل بها لي؛ إذ هو القادر على كل ما أراد وشاء { ويرسل } بغتة { عليها } أي: على جنتك { حسبانا } أي: صواعق نازلة ليلا { من السمآء } فحرقتها وخربتها واستأصلتها { فتصبح } أنت وترى { صعيدا } ترابا { زلقا } [الكهف: 40] ملساء لا تثبت فيها قدم ولا تنبت فيها نباتا.

{ أو يصبح مآؤها } الجاري في خلالها { غورا } غائرا عميقا؛ بحيث لا يمكن سقيها منه أصلا لغاية غوره وعمقه { فلن تستطيع } وتقدر { له طلبا } [الكهف: 41] بالكفر والحيل وأنواع التدابير.

فأعطى سبحانه المؤمن ما أمله وأراده تفضلا عليه وامتنانا له: { و } أرسل على بستان الكافر صواعق نازلة من السماء كثيرة إلى حيث { أحيط بثمره } وعمت الإهلاك والاستئصال جميع ما فيها من الثمار، فلم يبق الانتفاع بها أصلا، وذهب ماؤها وبهاؤها واضحملت نضارتها وصفاؤها { فأصبح } الكافر { يقلب كفيه } ظهرا لبطن تلهفا وتأسفا { على مآ أنفق فيها } أي: في تعميرها وإنشائها من الأموال والعظام { وهي } أي: لجنة { خاوية } ساقطة { على عروشها } أي: عروشها على الأرض والكروم عليها محرقة جميعها { ويقول } الكافر حينئذ بعدما أفاق عن سكر الغرور والغفلة، وتفطن على منشأ الصدمة والصولة الإلهية نادما متحسرا: { يليتني لم أشرك بربي أحدا } [الكهف: 42] تعنتا واستكبارا حتى لا يلحق علي ما لحقني من الوبال والنكال.

{ ولم تكن له } حينئذ { فئة ينصرونه } على مقتضى مباهاته ومفاخرته بالأعوان والأنصار من بأس الله وأخذه بل لا ناصر له { من دون الله } أي: استنصر منه، واستغفر عما صدر عنه من الجراءة والجرائم فقد نصره وعفا عنه وإن عظمت زلته { وما كان } أيضا بنفسه على مقتضى استبداده وثروته { منتصرا } [الكهف: 43] مخلصا منجيا نفسه عن امثال عن أمثال هذا النكال.

بل: { هنالك } وفي تلك الحالة وأمثال تلك الواقعة { الولاية } أي: النصر والاستيلاء، والغلبة والاستعلاء، والعظمة والكبرياء، والتعزز والاستغناء { لله الحق } الثابت القيوم المطلق، الحقيق بالحقية والقيومية، الجدير بالبسط والديمومية، ولذلك { هو } سبحانه بذاته وبمقتضى ألوهييته وربوبيته { خير ثوابا } في النشأة الأخرى لأوليائه، وأفضل عطاء لأحبائه وأمنائه { وخير عقبا } [الكهف: 44] لانتقام أعدائه انتصارا لأوليائه.

{ واضرب لهم } أي: اذكر يا أكمل الرسل للمائلين إلى الدنيا ومزخرفاتها ومستلذاتها الفانية الغير قارة، المستتبعة لأنواع الآثام والعصيان، المستلزمة لغضب الله وسخطه ومثل لهم { مثل الحياة الدنيا } وانقضائها وفنائها سريعا { كمآء } أي: مثله مثل ماء { أنزلناه من } جانب { السماء } إظهارا لكمال قدرتنا وعجائب صنعتنا وبدائع حكمتنا { فاختلط به } أي: تكاثف وغلظ بسببه { نبات الأرض } وصار في كمال الطراوة والنضارة والحسن والبهاء إلى حيث يعجب منها أبصار أولي الألباب والاعتبار، ثم يبس من حر الشمس وبرد الهواء { فأصبح هشيما } مهشوما متفرق الأوراق متفتت الأجزاء إلى حيث { تذروه } أي: تثيره وتطيره { الرياح } كيف يشاء { وكان الله } القادر المقتدر بالقدرة الكاملة التامة { على كل شيء } من قدوراته ومراداته { مقتدرا } [الكهف: 43] كاملا؛ بحيث لا تنتهي قدرته لدى المراد، بل له التصرف فيه على ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله.

[18.46-53]

ومتى سمعت وعلمت حال حياة الدنيا ومآل أمرها وعاقبتها، وانكشفت بعدم ثباتها وقرارها فمعظم ما يتفرع عليها: { المال والبنون } إذ هما { زينة الحياة الدنيا } الفانية عارضان عليها، ومتى لم يكن للمعروض دوام وبقاء، فللعارض بالطريق الأولى { والباقيات } التي تبقى معك في أولادك وأخراك { الصالحات } المقربة إلى الله المقبولة عنده، المترتبة عليها النجاة من العذاب والنيل إلى الفوز بالفلاح { خير عند ربك ثوابا } أي: أجرا وجزاء حسنا من اللذات الروحانية المودعة لأرباب القبول { وخير أملا } [الكهف: 46] أي : عاقبة ومآلا؛ إذ ينال بها المعارف والحقائق والمكاشفات والمشاهدات المودعة لأرباب العناية وأصحاب القلوب من الراجين المؤملين شرف لقاء الله والفوز بمطالعة وجهه الكريم.

{ و } أذكر يا أكمل الرسل للناسين عهود الله ومواثيقه { يوم نسير الجبال } وتحركها بالقدرة الكاملة والسطوة الهائلة، ونفتت أجزاءها، وتحلل تراكيبها، ونشتتها إلى أن صارت دكا { وترى } أيها الرائي { الأرض } المملوءة بالجبال الرواسي الحاجبة عما وراءها { بارزة } ظاهرة ملساء مسوى لا ارتفاع لبعض أجزائها على بعض، مظهرة لما فيها من الأجساد المدفونة { و } بعد ظهورهم منها، وبروز الأجداث والأجساد عليها { حشرناهم } وجمعناهم بأجمعهم حفاة عراة إلى الموقف والموعد المعد للعرض والجزاء { فلم نغادر } ولم نترك { منهم أحدا } [الكهف: 47] لا نسوقه إلى المحشر.

Bilinmeyen sayfa