283

{ ولما دخلوا } مصر { من حيث أمرهم أبوهم } متفرقين من أبواب متعدد { ما كان يغني عنهم } ويدفع تدبير أبيهم { من } قضاء { الله } الذي قدر لهم { من شيء } إذ الأمر والقضاء لله ولا معقب لحكمه { إلا } يعني: سوى ما كان { حاجة } تختلج { في نفس يعقوب قضاها } بالوصية لأبنائه تفاؤلا وتفريجا { وإنه } أي: يعقوب عليه السلام { لذو علم } كامل مفاض له من لدنا، متعلق بما لا مرد لقضائنا، لذلك قال: وما أغني عنكم من الله من شيء، { لما علمناه } بطريق الوحي والإلهام إياه { ولكن أكثر الناس } المجبولين على الجهل والنسيان { لا يعلمون } [يوسف: 68] أن قضاءنا لا يرد، وأن الحذر لا يغني عن القدر؛ لذلك أصاب بهم ما خفوا عنه.

{ ولما دخلوا على يوسف } مع بنيامين، أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على سماط، فبقي بنيامين وحيدا، فبكى وتأوى متحسرا، وقال: ألو كان أخي يوسف حيا لما بقيت وحيدا، ولما رأى يوسف حنينه وبكاءه { آوى إليه أخاه } ورجع نحوه وضم نفسه إلى نفسه، وأجسله على سماطه، ثم أمر يوسف أن ينزولهم كل أثنين بمنزل احد، فبقي بنيامين لا ثاني له، فاغتم حينئذ أشد اغتمام، فذهب به يوسف إلى منزله، فقال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال: فمن يجد مثلك أخا، غير أنك لم يلدك يعقوب ولا راحيل.

ثم لما رأى يوسف زيادة همه وحزنه وكثرة تأسفه وغمه { قال } لا تحزن ولا تغتم { إني } بشخصي { أنا أخوك } يوسف بن يعقوب وراحيل، قد احتال علي اخوتك وخادعوني بأنواع الحيل والخداع إلى أن فرقوا بيني وبينك وبين أبي مدة مديدة حسدا، فأنقذني الله عن مكرهم وكيدهم، وخلصني عن قيد الرقية والسجن وأنواع المحن ورفع قدري ومكانتي وشرفني برؤيتك، وأعطاني من المكرمات ما لا يحصى { فلا تبتئس } ولا تحزن يا أخي { بما كانوا يعملون } [يوسف: 59] معي ومعك من أنواع الصغار والهوان وأصناف الأذيات.

ثم لما قرت عينا بنيامين بوجه يوسف وسر قلبه لقياه بعدما آيس وقنط، قال: يا أخي لا أفارقك أبدا، قال يوسف؛ لا يتيسر هذا إلا بعد أن أتهمك بتهمة، فأخذك لأجلها إن رضيت، قال: رضيت بأي تهمة اتهمتني بها.

[12.70-76]

{ فلما جهزهم بجهازهم } على الوجه المعهود وشدوا رحالهم { جعل السقاية } أي: أمر يوسف للخدمة أن يجعلوا السقاية التي بها يكال، وهي من الفضة، وقيل: من الذهب { في رحل أخيه } بنيامين، وبعدما شدوا الرحال ودعوا مع العزيز جميعا، فخرجوا عقبها { ثم } بعدما خرجوا من البلدة { أذن مؤذن } أي: صاح عليهم صائح من قبل العزيز: { أيتها العير } أي: القفل إلى أين تمشون؟ { إنكم لسارقون } [يوسف: 70] مدبرين.

{ قالوا وأقبلوا عليهم } أي: على الصائحين، مضطربين خائفين: { ماذا تفقدون } [يوسف: 71] أيها الفاقدون المتفقدون؟

{ قالوا نفقد صواع الملك } أي: الآنية التي يصاع ويكال بها { و } بالجملة: { لمن جآء به حمل بعير } من المكيل { وأنا به زعيم } [يوسف: 72] ضمين أتكفل أن أتفحص من رحله.

{ قالوا } مضطربين، مقسيمن، مستبعدين: { تالله لقد علمتم } أيتها الخدمة والعزيز { ما جئنا } عندكم وفي أرضكم { لنفسد في الأرض } سيما السرقة، فإنها من أعظلم الفسادات { وما كنا سارقين } [يوسف: 73] أصلا؛ إذ نحن أولاد الأنبياء ولا يليق بنا أمثال هذا.

{ قالوا } أي: الشرطة الخدام: { فما جزآؤه } أي: أي شيء جزاء السارق منكم { إن كنتم كاذبين } [يوسف: 74] في دعوى البراءة والنزاهة؟

Bilinmeyen sayfa