ثم قال سبحانه: { ومآ أنزلنا } بمقتضى جودنا ولطفنا من النصر والظفر على الأعداء والإمداد بالملائكة { على عبدنا } وحبيبنا { يوم الفرقان } الفارق بين الحق والباطل والمحق والمبطل، وذلك { يوم التقى الجمعان } أي: الصنفان من الطرفين في بدر مع ضعف أهل الحق وقوة الكفار { والله } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { على كل شيء } من نصر ضعفاء الأولياء وانهزام الأعداء { قدير } [الأنفال: 41].
اذكروا أيها المؤمنون ضعفكم ورثاثة حالكم وقت { إذ أنتم } مترددون { بالعدوة الدنيا } أي: على شفير الوادي التي هي أقرب إلى المدينة ولا ماء فيها، ورمالها تسوخ أرجلكم وأنتم راحلون { وهم } متمكنون { بالعدوة القصوى } أي: على شفير الوادي الأبعد من المدينة والماء عندهم { والركب } أي: العير التي قصدتم نحوه قد كان بمكان { أسفل } وأبعد { منكم } على ساحل البحر مقدار ثلاثة أميال، وأنتم حيارى بين الإقدام والإحجام.
{ و } بالجملة: { لو تواعدتم } أنتم وهم القتال في وقت معين بلا وحي من الله ووعد من جانبه { لاختلفتم } أنتم ألبتة؛ لضعفكم وقوتهم وهيبتهم { في الميعاد } الذي وعدتم معهم؛ لرعيكم ورهبتكم منهم { ولكن } جمع سبحانه بلطفه شملكم ومكنكم في مكانكم، وأمطر عليكم في ليلتكم { ليقضي الله } المولي لنصركم وغلبتكم { أمرا } حكما مبرما { كان مفعولا } عنده وإن لم يفعل بعد، وإنما فعل سبحانه بكم ما فعل من النصر والظفر بهم من القهر والقمع { ليهلك } من الكفار { من هلك } أي: مات وانخذل غيظا { عن بينة } واضحة شاهدتها { ويحيى } أيضا من المسلمين { من حي } فرحا { عن بينة } واضحة لائحة انكشف بها { و } اعلموا { إن الله } المطلع لضمائر عباده { لسميع } لمناجاة كلا الفريقين { عليم } [الأنفال: 42] بنياتهم، يفعل من كل منهم على مقتضى علمه.
[8.43-44]
اذكر يا أكمل الرسل وقت { إذ يريكهم الله } أي: أعدائك { في منامك قليلا } مما كانوا عليه، تشجيعا لكل ولأصحابك { ولو أراكهم كثيرا } وعلى شوكتهم التي هم فيها { لفشلتم } وخيبتم ألبتة رهبة وهيبة { و } بعدما خيبتم { لتنازعتم في الأمر } أي: أمر القتال بعدما عرفتم كثرتهم وشوكتهم، بل تشرفون على الاستدبار والانهزام { ولكن الله سلم } أي: أنعم عليكم بالسلامة من الفشل والتنازع بإنزال السكينة والوقار على قلوبكم؛ بسبب تلبيس التقليل { إنه عليم بذات الصدور } [الأنفال: 43] بعلم مآل أمركم وعاقبته، لذلك لبس عليكم؛ ليجرئكم على القتال لإعلاء كلمة توحيده ونصر دينه.
{ و } اذكروا أيضا إمداد الله إياكم بتلبيس الأمر عليكم { إذ يريكموهم } أي: أعداءكم { إذ التقيتم } صافين من الطرفين { في أعينكم } كما في منامكم { قليلا } لتستقلوهم وتجترءوا عليهم { و } يلبس أمركم عليهم أيضا تغريرا لهم ومكرا؛ إذ { يقللكم في أعينهم } حتى لا يبالوا بكم ويجمعكم؛ ولذلك قال أبو جهل حين تراءت الفئتان: إن محمدا وأصحابه أكلة جذور، وإنما فعل سبحانه ما فعل من التلبيس على كلا الفريقين { ليقضي الله أمرا كان } عنده { مفعولا } حتما { و } بالجملة: { إلى الله } لا إلى غيره { ترجع الأمور } [الأنفال: 44] كلها؛ إذ منه بدأ وإليع يعود.
[8.45-47]
{ يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم: الاعتصام بحول الله وقوته عليكم { إذا لقيتم فئة } من الكفار { فاثبتوا } وتمكنوا تجاة العدو ولا تضطربوا، ولا تستدبروا { و } بعد استقراركم وثباتكم { اذكروا الله } ذكرا { كثيرا } واستعينوا منه وتوكلوا عليه { لعلكم تفلحون } [الأنفال: 45] تفوزون بالنصر والظفر، والغلبة والغنيمة إن أخلصتم النية.
{ وأطيعوا الله ورسوله } في جميع حالاتكم، سيما عند المقابلة ومقاتلة العدو { ولا تنازعوا } باختلاف الآراء والأهواء، بل فوضوا أمورككم إلى الله ورسوله، وإن وقع النزاع والمخالفة بينكم { فتفشلوا } وتضعفوا فيفتر عزمكم { وتذهب ريحكم } أي: دولتكم وهيبتكم التي ظهرت عليكم من نور الإسلام { و } بعدما سمعتم ما سمعتم { اصبروا } على مشاق الجهاد، ورابطوا قلوبكم إلى الله ورسوله { إن الله مع الصابرين } [الأنفال: 46] المرابطين المتمكنين، يعين عليهم وينصرهم.
{ ولا تكونوا } أيها المؤمنون القاصدون نحو الجهاد { كالذين } أي: كالكفار الذين { خرجوا من ديارهم } يعني: مكة للقتال { بطرا } مفاخرين مباهين بعددهم وعددهم { و } يقصدون بذلك الخروج { رئآء الناس } ليثنوا بالشجاعة والسماحة { و } هم بمجرد هذا القصد الفاسد والنية الكاسدة { يصدون } أي: ينصرفون ويحرفون { عن سبيل الله } الموضوع على العدل القويم، المسمى بالصراط المستقيم { والله } المطلع بجميع أحوالهم { بما يعملون } ويؤملون من المخايل الفاسدة { محيط } [الأنفال: 47] بعلمه الحضوري، يجازيهم عليها بمقتضى علمه وخبرته.
Bilinmeyen sayfa