207

ثم قال صلى الله عليه وسلم: اجتمعوا علي أيها الناس، يريد الأنصار القائلين حين بايعوه على العقبة أنهم براء من ذمامه حتى يصل إلى ديارهم، فتخوف ألا يروا نصرته إلا على عدوهم بالمدينة، فقال له سعد بن معاذ: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: قد آمنا لك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطينا على ذلك عهودا ومواثيق على السمع والطاعة لما أمرت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت على البحر لخضنا معك بلا تخلف أتحسب أنا إذا لا قينا العدو نتكاسل ونتساهل، ولعل الله يريد منا ما تقر به عينك.

ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشطه ول سعد، ثم قال: " سيروا على بركة الله، وأبشروا فإن الله سبحانه وعدني الآن إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم ".

{ و } اذكروا أيها المؤمنين وقت { إذ يعدكم الله } بالوحي على رسوله { إحدى الطآئفتين } مغلوبة مقهورة { أنها لكم و } أنتم حين سمعتم الوحي { تودون } وتحبون { أن غير ذات الشوكة } أي: العير { تكون لكم } لأن أهلها قليل، ومالها كثير لا احتياج لكم إلى المقاتلة معهم؛ لقلتهم وعدم شركتهم { ويريد الله } بمقتضى قهره وقدرته { أن يحق } أي: يثبت ويظهر { الحق } أي: التوحيد المطابق للواقع الذي هو الإسلام { بكلماته } الملقاة من عنده لملائكته حين أمرهم بإمداد حبيبه الذي بعثه؛ لإعلاء كلمة توحيده { ويقطع دابر الكافرين } [الأنفال: 7] أي: يستأصلهم إلى حيث لم يبق منهم من يستخلفهم، كل ذلك فضل من الله وامتنان على رسوله.

{ ليحق الحق } أي: الإسلام المحقق المطابق لما عند الله { ويبطل الباطل } المخالف لدين الإسلام { ولو كره المجرمون } [الأنفال: 8] المصرون على ما هم عليه قبل نزول الإسلام، ما أراد الله من تحقيق الحق وتمكينه، وإبطال الباطل وتخذيله.

[8.9-11]

اذكروا أيها المؤمنون فضل الله عليكم ورحمته { إذ تستغيثون ربكم } حين اقتحم العدو وأنتم عزل قلائل، وهم متكثرون ذو عدد وعدد { فاستجاب لكم } ربكم مغيثا قالا لكم على لسان نبيكم: { أني } بحولي وقوتي { ممدكم } أي: معينكم ومغنيكم { بألف من الملائكة مردفين } [الأنفال: 9] على عددكم، يضربونهم من ورائهم، وأنتم من قدامهم.

{ وما جعله الله } أي: إمدادكم أيها المؤمنون بملائكة السماء { إلا بشرى } لك بفضلكم وكرامتكم عليهم { ولتطمئن به قلوبكم } في جميع ما وعدكم الله به { و } اعلموا أيها المتحققون بمقام التوحيد { ما النصر } والغلبة والظفر { إلا من عند الله } القادر المقتدر على كل ما أراد واختار { إن الله } المتعزز برداء العظمة والجلال { عزيز } غالب على جميع مقدوراته ومراداته { حكيم } الأنفال: 10] متقن في جميع أحكامه ومأموراته يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.

اذكروا أيها المؤمنون فضل الله عليكم وامتنانه { إذ يغشيكم } ويغلب عليكم بلطفه { النعاس } أي: النومة؛ إزالة لرعبكم حين كنتم في سهر من خوف العدو؛ لتكون { أمنة } نازلة { منه } لتستريحوا وتطمئن قلوبكم { وينزل عليكم من السمآء مآء } حين كنتم مجنبين بإغواء الشيطان وعدوكم على الماء، والشيطان يعيركم بجنابتكم، ويوسوس عليكم بأنكم تدعون الإمامة والولاية؟ كيف تخرجون غدا تجاه العدو وأنتم مجنبين ودعواكم أن القتال والجهاد من اشرف العبادات؟ وبأمثال هذه الهذايانات يوقع بينك الفتنة؛ لتقعدوا عن القتال، وأنتم أيضا مضطربون بما معكم عليه من الجنابة، أنزل الله عليكم المطر { ليطهركم به } أي: بالماء، أبدانكم عن الجنابة الصورية، كما طهر قلوبكم بماء العلم اللدني ورشحات التوحيد من الجنابة المعنوية التي هي الكفر والنفاق.

{ و } بالجملة: { يذهب عنكم } بإنزال المطر { رجز الشيطان } أي: وسوسته وإيقاعه، ونخويفه من العطش وغيرها { وليربط على قلوبكم } بإنزاله، إنه سبحانه يعين عليكم وينصركم حين اضطراركم؛ ليزداد وثوقكم به وبنصره، وعونه وإنجاز وعده { ويثبت به الأقدام } [الأنقال: 11] أي: بهذا الربط، أقدامكم على جادة التوحيد والتوكيل إلى الله، والتفويض نحوه في جميع الأمور.

[8.12-14]

Bilinmeyen sayfa