202

[لقمان: 34] وإنما أخفاها وأبهم وقتها، ولم يطلع أحدا عليها؛ لأن الحكمة تقتضي ذلك؛ لأن سبحانه لو أظهر أمرها على عباده { ثقلت } عظمت وشقت أمرها، واشتدت هولها { في السموت } على أهلها وساكنيها من الملائكة { والأرض } عن من أسكنها وعاش عليها من الثقلينز

ولذلك { لا تأتيكم } الساعة عند إتيانها { إلا بغتة } فجأة وعلى غفلة بحيث لا يسع ترك ما كنتم فيه من الأمور، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:

" إن الساعة تهيج ب النال، والرجل يصلح حوضه، والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقوم سلعته في سوقه، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه "

، وإنما { يسألونك } عن الساعة وقيامها لظنهم فيك؛ لنجابة طينتك { كأنك حفي عنها } خبير لوقتها، عليم بشانها، مذكر لها دائما، مفتش عن أحوالها وأهوالها مستمرا { قل } لهم: { إنما علمها } وقت ظهورها { عند الله } وفي خزانة قدره ولوح قضائه، وعالم سمائه وغيب ذاته { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [الأعراف: 187] أنه سبحانه مختص بها، لا يطلع أحدا عليها.

{ قل } يا أكمل الرسل لمن ظن بك أنك حفي عليم بسرائر الأمور ومخفياتها، خبير بحقائق الموجودات وماهياته؛ اعترافا بالعبودية وسلبا للاختيار عن نفسك: { لا أملك لنفسي نفعا } أي: جلب نفع { ولا ضرا } أي: دفع ضر { إلا ما شآء الله } إيصاله إلي من النفع والضر، ولا أعلم الغيب إلا ما أوحى الله إلي { ولو كنت أعلم الغيب } يعني: لو تعلق علمي بعواقب أموري { لاستكثرت من الخير و } صرت إلى حيث { ما مسني السوء } أصلا { إن أنا } أي: بل ما أنا { إلا نذير } أنذر بإذن ربي وعلى مقتضى وحيه إياي { وبشير } أيضا أبشر على مقتضى الوحي { لقوم يؤمنون } [الأعراف: 188] بوحي الله وإلهامه.

[7.189-192]

وكيف لا يكون الغيب مما استأثر الله به؛ إذ { هو الذي خلقكم } أي: أوجدكم وأظهركم { من نفس واحدة } هو أبونا آدم، وكان جسدا لا علم له، ثم علمه من الأسماء ما تعلق إرادته به سبحانه بتعليمه إياه، ولم يعلم حقائقها ولميتها؛ إذ هي من المغيبات التي لم يطلع أحدا عليها { و } بعدما أظهر { جعل منها } أي: خلق من جنسها { زوجها } حواء { ليسكن إليها } ويؤنس معها { فلما تغشاها } أوقعها بإلهام الله إياه { حملت } وحبلت { حملا خفيفا } أي: أدركت حملا خفيفا في بطنها { فمرت به } أي: مضت عليها مدة فأدركت ثقلها، وأخبرت زوجها بثقلها فألهم بأنه ولد { فلمآ أثقلت } إلى حيث اشتدت عليها حملها، وظهرت عندها أمارة حياة ما في بطنها { دعوا الله ربهما لئن آتيتنا } ولدا سالما { صالحا } لمؤانستنا { لنكونن من الشاكرين } [الأعراف: 189] لنعمه دائما.

{ فلمآ آتاهما صالحا } بعد صالح، وطالحا بعد طالح، بطنا بعد بطن { جعلا } موضع الشكر { له شركآء } بإغواء الشيطان إياهما { فيمآ آتاهما } من الأولاد فسمياهم بعبد الحارث وعبد العزى، وعبد المناة، بتعليم الشيطان إياهما { فتعالى الله } المنزه بذاته عن الشريك مطلقا، سيما { عما يشركون } [الأعراف: 190] هما وغيرهما من المشركين.

ثم لما لم يكن شركهما عن قصد واختيار، بل وسوسة الشيطان وإغوائه وبخ سبحانه عليهم؛ لينزجروا، وقال: { أيشركون } جمعه باعتبار أولاده معنا { ما لا يخلق } ويظهر { شيئا } حقيلا قليلا، بل { وهم } أي: الأصنام والشركات في أنفسهم { يخلقون } [الأعراف: 191] مخلوقون كسائر المخلوقات.

{ و } كيف يشركون الأصنام معنا في الألوهية والربوبية، مع أنهم { لا يستطيعون لهم } أي: لعبدتهم { نصرا } يدفع عنهم الأذى؛ لكونهم جمادات { ولآ أنفسهم ينصرون } [الأعراف: 192] أي: لا يقدرون أن يصنروا أنفسهم بدفع ما يؤذيهم، لكونهم جمادات، وبكسرهم، فكيف لغيرهم؟.

Bilinmeyen sayfa