[7.138-140]
ثم أشار إلى قبح صنيع بني إسرائيل وخبث طينتهم وجهلهم المركون في جبلتهم وسخافة طبعهم، وركاكة فطنتهم؛ تسية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكيرا للمؤمنين ليحترزوا عن أمثال ما أتوا به، فقال: { وجاوزنا ببني إسرآئيل } أي: عبرناهم سالمين غانمين { البحر } الذي أهل عدوهم { فأتوا } أي: مروا في طريقهم { على قوم } من بقية العمالقة { يعكفون } يعبدون ويقيمون { على أصنام } تماثيل كانت معبودات { لهم } من دون الله.
{ قالوا } من قسوة قلوبهم وضعف يقينهم بالله المنزه عن الأشياء والأمثال { يموسى } المبعوث المرسل إلينا من الله الواحد الأحد { اجعل لنآ إلها } مثالا واحدا مشابها لله نبعده ونتقرب نحوه { كما لهم آلهة } يعبدونها ويتقربون نحوها، ونحن كيف نعبد نتقرب إلى إله موهوم لا نراه ولا نشاهده؟ وكيف نتضرع إليه ونتوجه نحوه ونستحي منه ونخاف عنه؟ ثم لما تفرس منهم موسى ما تفرس من الحجاب الكثيف والغشاوة الغليظة { قال إنكم قوم تجهلون } [الأعراف: 138] تستمرون على جهلكم الجبلي، لم يؤثر فيكم الآيات الكبرى والبراهين العظمى، ولم تتفطنوا بالتوحيد الذاتي مع وضوحه في ذاته سيما بعد الإيضاح بالآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة.
{ إن هؤلاء } العاكفين الضالين { متبر } مهلك معدوم { ما هم فيه } من عبادة التماثيل الباطلة العاطلة الهالكة في أنفسها، لا وجود لها أصلا { وباطل ما كانوا يعملون } [الأعراف: 139] لها ولأجلها من الأطاعة والانقياد؛ إذ هو إشراك بالله الواجب الوجود، المستقل بالألوهية ما لا وجود له أصلا.
ثم: { قال } موسى متأسفا مقرعا: { أغير الله } الواحد الأحد الصمد، الذي ليس كمثله شيء أصلا { أبغيكم } وأطلب لكم أيها الحمقى العمي، الضالون في تيه الغفلة { إلها } من مصنوعاته يعبد له بالحق ويتقرب إليه { و } الحال إنه { هو } سبحانه { فضلكم على العالمين } [الأعراف: 140] إذ لا مظهر له أكمل منكم، فكيف تعبدون المفضول المرذول، وما عرض عليكم أيها الجاهلون لم تعرفوا مرتبتكم الجامعة الكاملة، وعليكم أن تعدوا نعم الله التي أنعمها عليكم لعلكم تنبهون على توحيد المنعم.
[7.141-142]
{ و } اذكروا { إذ أنجيناكم من آل فرعون } حين { يسومونكم سوء العذاب } أي: يعلمونكم به، وذلك إنهم { يقتلون أبنآءكم } حتى لا تستكثروا وتستظهروا بهم { و } أقبح منه أنهم { يستحيون نسآءكم } ليلحق العار عليكم بتزوجهن بلا نكاح { و } لكم { في ذلكم } المذكور من العذاب { بلاء } اختبار وابتلا { من ربكم عظيم } [الأعراف: 141] فأنجيناكم منه؛ لتقيموا بذكرنا وتواظبوا بشكر نعمنا وتتفطنوا بتوحيدنا واستلائنا، ومع ذلك لم تنتبهوا.
{ و } اذكروا؛ إذ { واعدنا موسى } قبل إهلاكنا فرعون بأن أخلص لنا { ثلاثين ليلة } من ذي القعدة بأن صام فيها وصلى بعد هلاك عدوه، ننزل عليه من عندنا كتابا نبين له فيه التدابير المتعلقة لأمور معاش بني إسرائيل ومعادهم، ثم لما أهلكنا العدو فذهب موسى إلى ميقاتنا إنجازا لوعدنا { و } قبل ما تم المدة المذكورة أنكر خلوف فمه فتسوك قالت الملائكة: كنا نشم منك رائحة المسك فأفسدته بالسواك لذلك { أتممناها } أي: مدة ميقاتها بأن أمر موسى كفارة لما فوت بالسواك { بعشر } أي: بعشرة أيام من ذي الحجة { فتم ميقات ربه أربعين ليلة } وبعدما أتمها فأنزلنا إنجازا لوعدنا التوراة المبين لهم الأحكام الدنيوية والأخروية، وذلك من أعظم النعم.
{ و } اذكر أيضا؛ إذ { قال موسى لأخيه هارون اخلفني } عني { في قومي } واذكر لهم مما يتعلق بأمور معاشهم ومعادهم نيابة عني { وأصلح } بينهم، واحفظ عن زيغ أهل الضلال { ولا تتبع } أنت ومن معك { سبيل المفسدين } [الأعراف: 142] الذين يفسدون عقائد ضعفاء الأنام بالتمويهات الباطلة، ومع ذلك اتبعتم السامري من خبث طينتكم.
[7.143-145]
Bilinmeyen sayfa