فإن جادلوا معك يا أكمل الرسل، أهل البدع الأهواء الفاسدة في هذه الإلهامات والاختبارات الإلهية المترشحة من بحر الحكمة، قل لهم نيابة عنا: { ما على الرسول } الهادي بإذن الحق { إلا البلاغ } أي: بلاغ ما أهدى به والقبول من الله، والتوفيق من عنده { والله } المطلع لضمائركم { يعلم ما تبدون } تظهرون، وتعلنون من الإيمان والإطاعة { وما } كنتم { تكتمون } [المائدة: 99] من الكفر والبدعة.
{ قل } يا أكمل الرسل { لا يستوي الخبيث والطيب } عند الله { ولو أعجبك } أيها المتعجب { كثرة الخبيث } إذ لا عبرة للقلة والكثرة بالجودة والرداءة في الأعمال { فاتقوا الله } حق تقاته { يأولي الألباب } الناظرين بلب الأمور { لعلكم تفلحون } [االمائدة: 100] تفوزون من عنده فوزا عظيما، بعدما تجودون أعمالكم بالإخلاص والتقوى.
[5.101-104]
{ يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم أن { لا تسألوا } ولا تقترحوا من رسولكم { عن أشيآء } قبل ورود الوحي { إن تبد } وتظهر { لكم تسؤكم } وتغمكم، وتورث فيكم حزنا { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } بلا سواء وحزن { عفا الله } عما سلف { عنها } فعليكم أن تحافظوا عليها بعد ورود النهي { والله } المطلع لضمائر عباده { غفور } لهم ما سبق من ذنوبهم قبل ورود الزواجر { حليم } [المائدة: 101] لا يعجل بالعقوبة إلى أن يبوؤوا.
واعلموا أنه { قد سألها } عنها { قوم } مثلكم { من قبلكم } من أنبيائهم { ثم } بعدما ظهر ما اقترحوا { أصبحوا } صاروا { بها } بسبب ظهورها { كافرين } [المائدة: 102] بعدم امتثالهم وانقيادهم بما ظهر.
{ ما جعل الله } أي: ما وضع، وشرع لكم في دينكم ما في الجاهلية { من بحيرة } وهو أنهم كانوا إذا انتجت ناقتهم خمسة أبطن خامسها ذكر بحروا أذنها؛ أي: شقوها وخلوا سبيلها، فلا تركب ولا تحمل ولا تحلب أبدا، فسموها بحيرة { ولا سآئبة } وهي أنهم قالوا: إذا شفيت فناقتي سائبة؛ أي: ممنوعة من الانتفاع كالبحيرة { ولا وصيلة } وهي أنهم إذا ولدت شاتهم أنثى كان لهم، وإذا ولدت ذكرا كان لآلهلتهم، وإذا ولت ذكرا وأنثى في بطن واحد يتبعون الأنثى بالكذور، ويتقربون بها، وسموها وصيلة.
{ ولا حام } وهي أنهم إذا أنتجت من صلب فحل عشرة أبطن، حرم انتفاعه بالكلية، ولم يمنعوها من الماء والكلأ والمرعى، وقالوا: قد حمى ظهره، ويسمونها حام { ولكن الذين كفروا } أعرضوا عن الإيمان والإطاعة { يفترون على الله الكذب } أي: يستوي أمثال هذه المزخرفات الباطلة على الله؛ افتراء { وأكثرهم لا يعقلون } [المائدة: 103] الله، ولا يعلمون حق قدرة ومقتضى حكمته.
{ وإذا قيل لهم } إمحاضا للنصح: { تعالوا } هلموا { إلى } امتثال { مآ أنزل الله } المصلح لحالاتكم { وإلى } متابعة { الرسول } الهادي لكم عما فيكم من الضلال { قالوا } من غاية انهماكهم في الغفلة: { حسبنا } وكافيا { ما وجدنا عليه آباءنآ } وأسلافنا، قل لهم { أ } تقلدونهم، وتقتفون أثرهم { ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا } من أنفسهم { ولا يهتدون } [المائدة: 104] طريقا مستقيما بإهداء الهادي، وإرشاد المرشد مع كونكم عقلاء من أهل التمييز والاختيار، فالعار كل العار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
[5.105-106]
{ يأيها الذين آمنوا عليكم } أن تحفظوا { أنفسكم } وتلازموها على الطاعات وتداوموها على التوجه نحو الحق في جميع الحالات، وما لكم إلا حفظ نفوسكم { لا يضركم } ضلالة { من ضل } عن طريق الحق { إذا اهتديتم } إليه، واعلموا أيها المؤمنون { إلى الله } المبدئ، المعيد { مرجعكم } وهم { جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون } [المائدة: 105] في دينكم من شر وخير، ومعصية وطاعة، ويجازيكم عليه.
Bilinmeyen sayfa