{ لقد كفر } وأعرض عن الحق، ولم يعرف حق قدره { الذين } بالغوا في وصف عيسى عليه السلام، وغالوا فيه إلى أن { قآلوا } على سبيل الحصر، { إن الله } المتجلي في الآفاق { هو المسيح ابن مريم قل } لهم يا أكمل الرسل تبكتا لهم وإلزاما: { فمن يملك } يدفع ويمنع { من الله شيئا } من مراداته ومقدوراته { إن أراد أن يهلك } أي: يبقي على الهلاك الأصلي، والفناء الجبلي بلا مد من ظله، ورش من نوره { المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا } لا يبالي الله به وبهم؛ إذ { ولله } المنزه عن الأكوان مطلقا { ملك السموت والأرض وما بينهما } متصرف فيها حسب إرادته واختياره إيجادا وإعداما { يخلق } ويظهر { ما يشآء } بلطفه، ويعدم ويخفي ما يشاء بقهره { والله } المتصف بجميع أوصاف الكمال { على كل شيء } مقدر إرادته { قدير } [المائدة: 17] لا تفتر قدرته، ولا تنتهي إرادته ومشيئته.
{ وقالت اليهود والنصرى } من غاية مبالغتهم، وغلوهم في حق عيسى وعزير - عليهما السلام -: { نحن أبنؤا الله } إذ نعبد نبيه { وأحبؤه } إذ نحبهما، وهما محبوباه { قل } لهم يا أكمل الرسل: { فلم يعذبكم } الله { بذنوبكم } إن كنتم صادقين في هذه الدعوة، يعذبكم في الدنيا بالقتل والسبي والإجلاء، وضرب الذلة والمسكنة، وفي الآخرة بأضعاف ما في الدنيا وآلافها، فعليكم ألا تغلوا في دينكم ونبيكم، ولا تفتروا على الله الكذب.
{ بل أنتم } ونبيكم أيضا { بشر ممن } أي: من جنس ما { خلق } الله بقدرته وأظهره حسب إرادته، فله التصرف فيكم وفيهم { يغفر لمن يشآء } تفضلا وامتنانا { ويعذب من يشآء } عدلا وانتقاما { و } اعلموا أن { لله ملك السموت والأرض وما بينهما } يتصرف فيها كيف يشاء إرادة واختيارا { وإليه } لا إلى غيره { المصير } [المائدة: 18] والرجع؛ إذ الكل منه بدأ، وإليه يعود.
[5.19-21]
{ يا أهل الكتاب } لا تغتروا في أمور دينكم ولا تضعفوا فيها؛ إذ { قد جآءكم رسولنا } الموعود في كتابكم { يبين لكم } أمور دينكم حال كونه { على فترة } انقطاع وحي { من الرسل } وإنما أرسلناه؛ كراهة { أن تقولوا } وتعتذروا حين وهن دينكم وضعف يقينكم: { ما جآءنا من بشير ولا نذير } حتى يصلح أمور ديننا { فقد جاءكم بشير ونذير } لئلا تعتذروا على ما تقتصرون فيه، فكذبوه، ولم يقبلوا ما جاء به من أسرار الدين والإيمان { والله } المجازي لكم { على كل شيء } من أنواع الجزاء { قدير } [المائدة: 19] يجازيكم على مقتضى قدرته.
{ و } اذكروا { إذ قال موسى لقومه } وهم أسلاف لكم وآباؤكم حين أراد أن يذكرهم نعم الله التي أنعمها عليهم؛ ليقوموا بشكرها: { ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم } تفضلا وامتنانا { إذ جعل فيكم } منكم { أنبيآء } يرشدونكم، ويهدونكم إلى طريق التوحيد { وجعلكم ملوكا } متصرفين في أقطار الأرض { وآتاكم } من الخوارق والإرهاصات من فلق البحر، وظل الغمام، وسقي الحجر، ونزول المن والسلوى وغير ذلك { ما لم يؤت أحدا من العالمين } [المائدة: 20] حين ظهروكم واستيلائكم.
{ يقوم ادخلوا الأرض المقدسة } المطهرة عن شوائر الفتن { التي كتب الله لكم } أي: قدرها في علمه لمقركم ومسكنكمح إذ هي منازل الأنبياء، ومقر الأولياء والأصفياء، فعليكم أن تقبلوا إليها تاركين ديار العمالقة والفراعنة التي هي محل الجور والفساد، ومجمع البغي والفساد { و } عليكم أن { لا ترتدوا } بعدما سمعتم الوحي { على أدباركم } خوفا من الجبابرة.
قيل: لما سمعوا أوصاف جبابرة كنعان من نقبائهم خافوا، واستوحشوا وفزعوا وقالوا: ليتنا نرد على أعقابنا، تعالوا ننصب رأسا ينصرف بنا إلى مصر؛ إذ موتنا فيها خير من الحياة وموضع آخر، فارتدوا { فتنقلبوا خسرين } [المائدة: 21] خسرانا عظيما في الدنيا تائهين حائرين، وفي الآخرى خاسرين خائبين.
[5.22-24]
{ قالوا ياموسى } على صورة الاعتذار وإظهار العجز وعدم الإقدار، وما هي إلا من عدم تثبتهم على الإيمان، وعدم رسوخهم في مقتضياته، وعدم وثوقهم بنصر الله وإعانته بعدما أمرهم بالقتل والترحال، ووعدهم ما وعدهم: { إن فيها قوما جبارين } لا يتأتى مقاومتهم ومقاتلتهم { و } بالجملة: { إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها } بقتال أو غيره { فإن يخرجوا منها } على أي وجه { فإنا داخلون } [المائدة: 22] إذ لا طاقة ولا قدرة لنا معهم.
Bilinmeyen sayfa