[49]
قوله تعالى : { ورسولا إلى بني إسرائيل } ؛ أي ويجعله بعد ثلاثين سنة رسولا إلى بني إسرائيل ؛ { أني قد جئتكم بآية } ؛ بعلامة ؛ { من ربكم } ؛ لنبوتي ، وقيل : { ورسولا } عطفا على (وجيها). وكان أول أنبياء بني إسرائيل يوسف عليه السلام وآخرهم عيسى عليه السلام.
قوله تعالى : { أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه } ؛ قرأ نافع (إني) بالكسر على الاستئناف وإضمار القول ، وقرأ الباقون بالفتح.
ومعنى الآية : أني أقدر لكم من الطين صورة كهيئة الطير فأنفخ في الطين كنفخ النائم فيصير طيرا يطير بين السماء والأرض بأمر الله عز وجل ، ويقرأ (طائرا) إلا أن هذا أحسن ؛ لأن الطائر يراد به الحال. قرأ الزهري وأبو جعفر (كهية الطير) بالتشديد ، وقرأ الآخرون بالهمز. والهيئة : الصورة المهيئة من قولهم : هيأت الشيء إذا أصلحته. وقرأ أبو جعفر : (كهيئة الطائر) بالألف.
قوله تعالى : { فيكون طيرا بإذن الله } ؛ قرأ عامة القراء (طيرا) على الجمع لأنه يخلق طيرا كثيرة ، وقرأ أهل المدينة (طائرا) بالألف على الواحد ذهبوا إلى نوع واحد من الطير لأنه لم يخلق إلا الخفاش ، وإنما خص الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا ليكون أبلغ في القدرة لأن لها ثديا وأسنانا ؛ وهي تحيض وتطهر ، قال وهب : (وهي تطير ما دام الناس ينظرون إليها ، فإذا غابت عن أعينهم سقطت ، ولأنها تطير بغير ريش وتلد ولا تبيض).
وروي أنهم ما قالوا لعيسى أخلق لنا خفاشا إلا متعنتين له ؛ لأجل مخالفته الطيور بهذه الأخبار التي ذكرناها. فلما قالوا له أخلق لنا خفاشا ؛ أخذ طينا ونفخ فيه فإذا هو خفاش يطير بين السماء والأرض ، فقالوا : هذا سحر ؛ فقال : أنا ؛ { وأبرىء الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله } ؛ فقالوا : إن إبراء الأكمه والأبرص يفعله أطباؤنا ، فذهبوا إلى جالينوس فأخبروه بذلك ، فقال : إن الذي ولد أعمى لا يبصر بالعلاج ، والأبرص الذي لو غرزت إبرة لا يخرج منه الدم لا يبرأ بالعلاج ، وإن كان يحيي الموتى فهو نبي. فجاؤا بأكمه وأبرص فمسح عليهما فبرءا ، فقالوا : هذا سحر ؛ فإن كنت صادقا فأحيي الموتى ، فأحيا أربعة من الموتى : العازر وكان صديقا له ، فأرسلت أخته إلى عيسى : أن أخاك العازر مات فأتاه ، وكان بينهما مسيرة ثلاثة أيام ، فأتى هو وأصحابه فوجدوه قد دفن منذ ثلاثة أيام ؛ فقام على قبره وقال : اللهم رب السموات السبع والأرضين السبع أحيي العازر من قبره وودكه يقطر ، فخرج وبقي مدة طويلة وولد له. وأحيا ابن العجوز ، مر به وهو على سرير يحمل على أعناق الرجال إلى المقابر ، ودعا الله تعالى أن يجيبه ، فجلس على سريره وأنزل عن أعناق القوم ، ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ، ورجع إلى أهله فبقي مدة وولد له.
Sayfa 306