الطريد: المطرود: المبعد. وإضافته للجنايات، جمع جناية مجاز. بمعنى أنها سبب طرده. والتياسر: المقارعة بقداح الميسر، وهو مجاز عن الاستحقاق، وإسناده إلى ضمير الجنايات مجاز أيضًا، لأن المتياسر أي المستحق في الحقيقة المجني عليهم، والجنايات سببه، ومع ذلك فهي تمثيلٌ لاستحقاق المجني عليهم دمه على سبيل الاستعارة.
وبيان ذلك أنه شبه حال نفسه من حيث أنه مطلوب الدم، مطلوله [بحال] الجزور المعين للنحر بالمقارعة عليه بالسهام المسمى تياسرًا، ثم استعار لفظ المشبه به-وهو مركب- للمشبه. وما كان مثله من المجاز -أي مركبًا - سمي تمثيلا على سبيل الاستعارة، إن لوحظ فيه التشبيه كما هنا.
والعقيرة. بمعنى المعقورة. والعقر: الجرح، ويعني بها ذاته. وحم: قدر. وقوله: "طريد جنايات" خبر مبتدأ محذوف، أي: "هو مطرود جنايات" أي مبعد عن عشيرته بسبب جناياته الكثيرة التي هي سبب في استحقاق المجني عليهم -وهم كثيرون- دمه، كاستحقاق الجزور المتياسر ونعليها. فذاته لأجل ذلك أول الذوات عقرا لأي الجنايات قدر.
والمعنى: أنه بمثابة الصيد الذي يعقره من أمكنه عقره من الطالبين له. فالطالبون له من أهل الجنايات كالمتصيدين، فمن ظفر به منهم قتله إن قدر عليه.
وجملة "هو طريد جنايات" مستأنفة لبيان حاله، فلا محل لها من الإعراب.
تنام إذا ما نام يقظى عيونها ... حثاثًا إلى مكروه تتغلغل.
اليقظى: المنتبهة، وهي أنثى اليقظان. والحثاث. -بالفتح ويكسر-الغمض كالقرار، وحكى مالك بن المرحل في نظم الفصيح خلافًا في الأفصح من الفتح والكسر ونصه:
ومثله الحثاث وهو يفتح
وقيل: إن الكسر فيه أفصح ومكروهه: ما يكرهه. وتغلغل: أسرع.
قوله: "يقظى عيونها" فاعل "تنام" وفاعل "نام" ضمير الشنفرى. و"حثاثا" منصوب على المفعولية المطلقة ل "تنام". و"إلى مكروهه متعلق ب يتغلغل." والمعنى: تنام أعين الجنايات اليقظى غماضًا إذا ما نام هو، أي غفل عنها.
بمعنى أنها لا تغفل عنه لحظة، وما يظن من ذلك غفلة، فهو حيلة ومكر، كمن يغمض عينيه يري الناس أنه نائم، وما به من نوم، يريد انتهاز الفرصة إذا أمكنته. فهي تسرع إلى ما هو مكروه له، وإن رئيت ساكنة، ومن هنا قالوا: "الدم لا ينام".
وقد أفهم قول: "تنام يقظى عيونها حثاثًا": أنها طالبة له، غير غافلة عنه. فجاء قوله: "إلى مكروهه تتغلغل" مؤكدا بذلك ويسمى ذلك تذييلا، وقد شرحناه غير مرة. فالجملة المؤكد مضمونها ما قبلها-منطوقًا أو مفهومًا- لا محل لها من الإعراب.
وإلف هموم لا تزال تعوده ... عياد الحمي الربع أو هي أثقل.
الحمي: فعيل. بمعنى مفعول: هو الذي أصابته الحمى. والربع-بالكسر هنا-الحمى التي تخلى عن صاحبها يومين، ثم تخشاه بعدهما، فيكون يومها رابعا ليومها قبله. "والحمي" مجرور بإضافة "عياد إليه"، وهو مصدر عاد المريض يعوده. "والربع" -بالرفع-فاعل المصدر، وروي "بنصب الحمي"، وجر "الربع" بإضافة المصدر المفصول من المضاف إليه بالمفعول، فيكون نظير قول الله سبحانه "قتل أولادهم شركائهم" بنصب "أولادهم" ب "قتل" وجر "شركائهم" بإضافته.
ومعنى البيت: هو طريد جنايات ومؤالف هموم لا تغيب عنه غيبة انقطاع، فهي تترد إليه كما تترد حمى الربع إلى المحموم بل الهموم أكثر ثقلا من الحمى المذكورة.
إذا وردت أصدرتها ثم إنها ... تثوب فتأتي من تحيتٍ ومن عل
الورود: الحضور بعد الغيبة. والإصدار: الرد.
يقول: إذا حضرتني الهموم ردتها: أي فرجتها عن نفسي، وهونت أمرها علي، ثم إنها تثوب-بالمثلثة-أي تعود، وترجع أعظم مما أصدرتها، فتأتيني من أسفل ومن فوق.
فإما تريني كابنة الرمل ضاحيًا ... على رقة أحفى ولا أتنعل.
ابنة الرمل: البقرة الوحشية. والضاحي: البارز للشمس. والرقة: خلاف الغلظة، والرقة في القدم: أن يرق أسفله حتى يؤلمه المشي، ويسمى لذلك "حفا" بالقصر، مصدر حفي الحيوان بالكسر، لذلك المعنى. وأما المشي بلا نعل "فحفاء بالمد، وهو أيضًا مصدر حفي بالكسر، و" أحفى مضارعه، أي أمشي بغير نعل. والتنعل: تكلف لبس النعال.
1 / 12