Tabiat ve Metatabiat: Madde, Hayat, Tanrı
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Türler
والحجة المأخوذة مما يسمونه ازدواج الشخصية أو تعددها، والتي يظنونها قاطعة، هي في غاية الوهن، قائمة على الخلط بين الشخصية ذاتها وبين الشعور بالشخصية: فمن المعلوم أن الجواهر طائفتان: إحداهما حاصلة على قوة الإدراك وقوة الشعور بالذات، مع تفاوت طبعا، والأخرى خلو عن هاتين القوتين، وينطبق على كلتا الطائفتين تعريف الجوهر بالتقوم بالذات، ولو أن التقوم أكثر كمالا في الطائفة الأولى منه في الثانية، وأكثر كمالا في الموجود العاقل منه في غير العاقل، وكل واحد من الأفراد شخص بمعنى الكلمة موجود لذاته. إن الشعور بالذت شعورا صريحا واضحا هو من شأن الكائن العاقل. فإنه يستند إلى الانعكاس على الذات، وليست تنعكس المادة على ذاتها ولا يتسنى الانعكاس إلا للموجود المستقل عن المادة، وحيثما يحدث يكون دليلا على هذا الاستقلال. شتان إذن بين «شخص» محصور في طبيعته، و«شخص يتصرف في الأشياء لتحقيق غايات وأفعال يعينها بذاته، ويطالب بحقوق، ويذعن لواجبات بعد إدراكها وإدراك لزومها، كما تستند الحرية على نفس الأساس؛ لأن استقلال الإرادة عن الخيرات الجزئية، سببه استقلال العقل في الحكم على الجزئيات ... وإذن فليس يحقق الإنسان شخصيته تمام التحقيق، أعني قيامه بذاته، وفعله بذاته، إلا بقدر ما تسود فيه حياة العقل والحرية حياة الحواس والأهواء، وإلا ظل كالحيوان «فردا» خاضعا للأحداث والغرائز.
ولا تقولن مع بعض الفلاسفة: إن الشخصية هي عين الشعور بالذات أو إنها الإرادة الحرة والجهد المبذول منها، أو إنها الخلق المتكون للواحد منا والمميز له من سواه. هذه علامات عليها، أو بكلمة أدق: الشخصية هي المبدأ الذي تجمع فيه هذه العلامات، بالفعل أو بالقوة، فالطفل والنائم بل والمجنون لا يشعرون بذاتهم هذا الشعور الصريح إلا بعد اكتمال العقل في الأول، وبعد مزاولة الثاني والثالث لفعل التعقل كما ينبغي أن يزاول. فيلزم التمييز بكل دقة بين «الشخصية الميتافيزيقية»، أي وجود الشخص في ذاته، وبين «الشخصية الوجدانية»، أي شعوره بها، فقد يختلف هذا الشعور وتبقى الذاتية، ولاختلاف الشعور تعليل لا يمس الذاتية بحال.
الشخصية الوجدانية تشتمل على إحساسات ووجدانيات: الإحساسات هي اللمسية الناشئة من تأثير الأشياء الخارجية، ومن الحالة الجوفية والعضلية ، بما في ذلك إحساسات الحرارة والراحة والقلق وما إليها؛ أما سائر الإحساسات الظاهرة فلا تشعرنا بأنفسنا مباشرة، بل تشعرنا أولا بالأشياء ونحن نشعر بأنفسنا فيها؛ وليس يقتصر شأن الأشياء على تأثيرها فينا، فإننا بجسمنا نشغل بينها خيرا معينا وندخل معها في علاقات، فنشعر بجسمنا كمبدأ فعل وانفعال. والوجدانيات - من ذكريات وأفكار وعواطف وإرادات وآمال - تؤلف في كل لحظة حالة وجدانية عامة هي - مع تغيرها وتجددها - متصلة بما يسبقها وما يلحقها من حالات. وفي هذه الشخصيات العامة شخصيات ثانوية خاصية معينة من نواحي حياتنا الفردية والاجتماعية، كشخصية الوالد والزميل والرئيس والمرءوس والقاضي والعامل ... إلخ، وكالشخصية الفنية والعلمية والدينية. وليس من السهل أن تتفق الشخصيات الجزئية في الفرد الواحد، لما يقتضيه هذا الاتفاق من رأي صائب وإرادة قوية؛ ولكنها تتعارض أحيانا كثيرة، فتثير في النفس صراعا بين واجبات مختلفة، أو بين واجب وشهوة. فلم نعجب لازدواج الشخصية كما يقولون؟
هذا الشعور بالشخصية في الحياة العادية كان موضع احتجاج عنيف من جانب الماديين أصحاب «الظواهر العارضة»: فقد عدوا عليه «اضطرابات» ظنوها قاضية على الوثوق به. اختلفوا في تصنيفها، فنقتصر على أربعة أنواع هامة؛ الأول: انفصال المجموعات الجزئية عن الشخصية العامة، وتعاقب هذه المجموعات، بحيث ينتقل المريض من الكآبة والسكون إلى السرور والنشاط مثلا. النوع الثاني: تقمص شخصية غريبة إلى أجل أو باستمرار، فيتوهم المصاب أنه المسيح أو نابليون أو إبليس ... النوع الثالث: فقدان الشعور بالشخصية، فينكر المريض جسمه وصوته، وتغيب عنه ذكرياته. النوع الرابع: ازدواج الشخصية بمعنى الكلمة، فيتوهم المريض أنه مثنى، فيستعمل ضمير الغائب في كلامه عن نفسه، أو تضرب يمناه يسراه لتمنعها من إتيان حركة تهم بها، أو يأمر نفسه ويعد بالطاعة، إلى غير ذلك.
وتنشأ هذه الحالات في الغالب عن ضعف عصبي، تضعف معه رقابة العقل التي تستبقي فينا فكرة الوحدة والذاتية، وتضعف معه الذاكرة، وإليها في النهاية ترجع جميع الاضطرابات.
بل إن اختلال الذاكرة ليس عاملا مطلقا حاسما؛ فمن المرضى من يعلمون في حالتهم العادية أن لهم حالة أو حالات غير عادية، مما يدل على أن الأولى هي الراسخة وأن الثانية عارضة، والذين لا يعلمون قليل جدا. ومنهم من طلب إليهم العلماء المختبرون إتيان أفعال مخالفة للأخلاق القويمة، أو لأخلاقهم الخاصة، فأبوا ذلك، مما يدل على أنهم يحتكمون، لا إلى شخصية عارضة؛ بل إلى شخصية أعمق باقية بالرغم من تقلب الحالات، وهي الشخصية الوحيدة في الحقيقة. هذا فضلا عن الذين يعالجون فيشفون ويعودون إلى شخصيتهم العادية.
فليس في الإنسان سوى شخصية واحدة هي مظهر لنفس واحدة، فالإنسان مركب من جوهر روحي وآخر جسمي يؤلفان منه موجودا واحدا، لا كلا مجموعيا يتجاور فيه الجوهران ويتفاعلان من خارج على ما اعتقد أفلاطون وديكارت. ليس هذا الاتحاد عرضيا كالذي بين جوهرين تامين، ولكنه جوهري حاصل بين جوهرين ناقصين كل منهما مفتقر للآخر متمم له: من النفس يقبل الجسم تركيبه ووحدته وحياته، وسائر ما يجعل منه جسما إنسانيا؛ وحالما تفارقه بالموت ينحل إلى عناصره؛ وتبقى النفس متقومة بذاته؛ ولكنها في هذه الحياة جوهر ناقص، لا تستطيع دون الجسم أن تزاول أفعال قواها التي تقتضي مشاركة الأعضاء مشاركة مباشرة، مثل الإحساس والتخيل والتذكر. فالنفس الإنسانية ناطقة بالذات، نامية وحاسة بقوى فيها، تحدث الأفعال النامية والحاسة في الجسم ومعه؛ لذا كانت القوى النامية والحاسة قوى المركب من النفس والجسم، لا قوى النفس وحدها، بينما العقل والإرادة قوتان مفارقتان بذاتهما للمادة؛ فهما للنفس وحدها. وعلى ذلك فالنفس الناطقة موجودة كلها في الجسم كله أولا، وبالذات من حيث إنه الموضوع المتكمل بها؛ وليس لها مقدار لا بالذات ولا بالعرض، وموجودة في كل جزء من أجزاء الجسم ثانيا بقوة خاصة بالجزء، كقوة الإبصار في العين مثلا. ليس الإنسان إذن جوهرا روحيا محضا يستخدم الجسم من خارج، ولكنه طبيعة خاصة قوامها نفس معدة بالطبع للاتحاد بجسم اتحادا جوهريا لمزاولة وظائفها، بحيث يكون الجسم تكملة ضرورية لها، لا قيدا أو عائقا. (6) النفس الإنسانية: روحانيتها
بينما جميع أفعال النفس النامية والنفس الحاسة تحدث في الجسم وبمشاركة الأعضاء، فلا نرى وجودا خاصا ، بل نرى لكل منهما وجودا في المركب منها ومن الجسم، نرى للنفس الناطقة بعض أفعال مستقلة عن الأعضاء، فنحكم بأنها مستقلة عن الجسم في وجودها، تلك الأفعال هي الصادرة عن العقل والإرادة، وذلك الاستقلال هو المسمى بالروحانية. فإن النفس الناطقة تدرك موضوعات مختلفة الماهية والأعراض: تدرك الخالق والمخلوق؛ الروح والجسم، الجوهر والعرض، الموجود الواقعي والممكن والذهني، وهذا دليل على أن العقل غير مخصص بموضوع أو بطائفة من الموضوعات، كتخصص الحواس الظاهرة (العين مثلا للضوء واللون، والأذن للسمع، وهلم جرا)؛ هذا فضلا عن كون العقل يدرك موضوعاته على نحو غير مادي، مجردة عن المشخصات. لو كان العقل معينا بعضو لكان هذا التعيين يحول دون إدراكه أشياء مختلفة، كذوق المحموم، لمرارته بالحمى، لا يشعر بالحلاوة، وكعين المصاب بالصفراء ترى جميع المرئيات صفراء، فإن لكل جسم ولكل عضو جسمي طبيعة مخصوصة تمنع من إدراك أشياء مختلفة، ومن إدراكها على نحو مجرد، أعني خلو من المشخصات المادية.
وجميع إدراكاتنا العقلية للماديات هي على هذا النحو، قاصرة على عناصر الماهية، ونحن نشعر بأننا نستخرج المعاني المجردة الكلية من الصور الجزئية المستفادة من التجربة بالحواس، وأن علومنا مطابقة للموجودات. وعلى المعاني المجردة تقوم أحكامنا واستدلالاتنا، فالحكم تحليل للمعنى المجرد، وتصور للنسبة بين المحمول والموضوع، وليست النسبة شيئا محسوسا، فتصورها يقتضي قوة غير محسوسة، هي العقل. كذلك الاستدلال إدراك لزوم منطقي بين النتيجة والمقدمتين، وليس اللزوم المنطقي شيئا محسوسا، فتصوره يقتضي قوة غير محسوسة. أما القوة الحاسة، فلارتباطها بعضو وتعينها بموضوع، لا تنفعل إلا بكيفية محسوسة، ولا تدرك موضوعا مجردا.
والعقل ينعكس على أفعاله، يحللها ويتأملها، كما نصنع في هذه البرهنة التي نحن ماضون فيها: ومثل هذا الانعكاس محال على قوة جسمية؛ وليست أفعال العقل محسوسة كالماديات حتى يدركها الحس بعضوه، وليست الرؤية ملونة، فالعين لا ترى رؤيتها. إن الانعكاس يدل على استقلال العقل عن كل عضو من حيث إن المادة لا تنعكس على ذاتها، بل يتطابق أجزاء منها بعضها على بعض. وبالانعكاس على الذات والاستدلال تعقل النفس اللاماديات مثل النفس والله والفضيلة والواجب والعلم وما إلى ذلك، والموجودات الذهنية، وهي لا مادية، وغير موجودة إلا في الذهن، ولا يمكن أن توجد إلا فيه، كالماهية أيا كانت، وكالنسب أو العلاقات الضرورية بين الأشياء، وليست النسبة أو العلاقة شيئا محسوسا يدرك بحس ما. وينسحب هذا الدليل على الأفعال الإرادية كما تقدم، فإن الإرادة تتجه إلى مطلق السعادة، وإلى خيرات لا مادية تفترض أفعالا لا مادية وفاعلا لا ماديا، كما أن الحرية دليل على التعقل والتجرد.
Bilinmeyen sayfa