خدمتها؛ أي الخدمة العمومية، وذلك تشويقًا له على التفاني في الخدمة، كما أنَّها لا تميّز أحدًا منها بوسام أو تشرِّفه بلقبٍ إلا ما كان علميًا أو ذكرى لخدمة مهمة وفَّقه الله إليها. وبمثل هذا يرفع اللهُ الناس بعضهم فوق بعضٍ درجات في القلوب لا في الحقوق.
وهذا لقب اللوردية مثلًا عند الإنكليز هو من بقايا عهد الاستبداد، ومع ذلك لا يناله عندهم غالبًا إلا من يخدم أمَّته خدمة عظيمة، ويكون من حيث أخلاقه وثروته أهلًا لأن يخدمها خدمات مهمة غيرها، ومن المقرر أن لا اعتبار للورد في نظر الأمة إلا إذا كان مؤسسًا أو وارثًا، أو كانت الأمة تقرأ في جبهته سطرًا محررًا بقلم الوطنية وبمداد الشهامة ممضيٍّ بدمه يقسم فيه بشرفه أنه ضمين بثروته وحياته ناموس الأمة؛ أي قانونها الأساسي، حفيظ على روحها؛ أي حريتها.
التمجُّد لا يكاد يوجد له أثر في الأمم القديمة إلا في دعوى الألوهية وما معناها من نفع الناس بالأنفاس، أو في دعوى النّجابة بالنسب التي يهول بها الأصلاء نسل الملوك والأمراء، وإنما نشأ التمجّد بالألقاب والشّارات في القرون الوسطى، وراج سوقه في القرون الأخيرة، ثمَّ قامت فتاة الحرية تتغنّى بالمساواة وتغسل أدرانه على حسب قوتها وطاقتها، ولم تبلغ غايتها إلى الآن في غير أمريكا.
المتمجِّدون يريدون أن يخدعوا العامة، وما يخدعون غير نسائهم اللاتي يتفحفحن بين عجائز الحي بأنهم كبار العقول؛ كبار النفوس؛ أحرار في شؤونهم
1 / 61