يقابل المجد، من حيث مبتناه، التمجُّد. وما هو التمجّد؟ وماذا يكون التمجّد؟ التمجُّد لفظٌ هائل المعنى، ولهذا أراني أتعثَّر بالكلام وأتلعثم في الخطاب، ولا سيما من حيث أخشى مساس إحساس بعض المطالعين. إن لم يكن من جهة أنفسهم فمن جهة أجدادهم الأولين، فأناشدهم الوجدان والحقّ المهان، أن يتجرَّدوا دقيقتين من النّفس وهواها، ثمَّ هم مثلي ومثل سائر الجانين على الإنسانية لا يعدمون تأويلًا. وإنني أعلِّل النّفس بقبولهم تهويني هذا، فأنطلق وأقول:
التمجّد خاص بالإدارات المستبدَّة، وهو القربى من المستبدِّ بالفعل كالأعوان والعمال، أو بالقوة كالملقَّبين بنحو دوق وبارون، والمخاطبين بنحو ربِّ العزة وربّ الصولة، أو الموسومين بالنياشين، أو المطوَّقين بالحمائل، وبتعريفٍ آخر، التمجُّد هو أن ينال المرء جذوة نار من جهنم كبرياء المستبدِّ ليحرق بها شرف المساواة في الإنسانية.
وبوصفٍ أجلى: هو أن يتقلّد الرّجل سيفًا من قِبَل الجبارين يبرهن به على أنَّه جلاد في دولة الاستبداد، أو يعلِّق على صدره وسامًا مشعرًا بما وراءه من الوجدان المستبيح للعدوان، أو يتزين بسيور مزركشة تنبئ بأنّه صار مخنَّثًا أقرب إلى النساء منه إلى الرجال، وبعبارة أوضح وأخصر، هو أن يصير الإنسان مستبدًا صغيرًا في كنف المستبدِّ الأعظم.
قلتُ: إنَّ التمجُّد خاصٌّ بالإدارات الاستبدادية، وذلك لأنَّ الحكومة الحرة التي تمثِّل عواطف الأمة تأبى كلَّ الإباء إخلال التساوي بين الأفراد إلا لفضلٍ حقيقي، فلا ترفع قدر أحد منها إلا رفعًا صوريًا أثناء قيامه في
1 / 60