Taammulat
تأملات: في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع
Türler
ما سمعنا إلى اليوم في حكم هذا القانون الذي بأيدينا أن الغذاء جزء العقاب يأكله الأثيم سما قاتلا كما يقول الدكتور، بل العقاب بين في الحدود وفي حكم القاضي حبس بسيط ومع التشغيل، حبس بالأشغال الشاقة مؤقتا أو مؤبدا، ومن عقوبات السجن الجلد وليس منها الطعام الضار، على أن عقوبة السجن لمن يتعدى حدوده لا لجميع المسجونين على السواء؛ لذلك يستحيل الظن بأن هذا الخبز الذي يطعمه أهل السجن هو العذاب جزاء على سيئة المسيء، إلا أن تكون مصلحة السجون تزيد على حكم القاضي، وليس لها إلا تنفيذه هو لا غيره بذاته ووصفه، وما يطعم السجين إلا من غالب قوت أهل البلد، كان يطعم السجناء خبز القمح، فقالوا: بل خبز الذرة هو غالب قوت أهل البلاد، وما كان لنا أن نجعل الإجرام ميزة للمجرم على البريء، وفضلا للسجين يأكل خبز القمح على الطليق يكاد لا يطعم إلا خبز الذرة، قالت مصلحة السجون ذلك عند شكوانا الأولى، فقلنا: تلك كلمة حق وإنصاف لا نخال أحدا من غير أهل السجن إلا يقرها على ذلك، ولكن خبز الذرة ليس سما قاتلا، ولا هو بلونه وملمسه وطعمه رديء يعافه الجائع، فماذا عساه يكون هذا الخبز الجديد؟!
حسب الإنسانية عذابا علمها بأن العدل الذي يؤخذ به الناس ليس في الحقيقة إلا الطريقة الممكنة للنظام، وأنه أشبه بالظلم منه بالعدل المطلق، وأنها تعرف أن من السجناء مظلوما حقيقا بالتمتع بحريته، ومن الطلقاء أثيما أولى به ظلمات السجون.
حسب الإنسانية عذابا علمها بأن من الجناة عددا كبيرا لا يجوز أن يحمل كل مسئولية جنائية، وأن للانتقال الوراثي والبيئة ودوافع الطبيعة التي لا قبل لأحد بردها، لكل أولئك معظم المسئولية على الجنائية، ومع ذلك هي تعاقب الجاني كأنما هو حر في تصرفاته يحمل وحده عدلا جميع نتائجها.
حسب الإنسانية ما هي فيه من القلق الدائم والشقاء المستمر، فما كان أغناها عن هذا القلق الجديد الذي سببته مصلحة السجون رجاء اقتصاد تافه في النفقات أو تهاونا في معاملة المسجونين بالتي هي أدنى للرحمة والرفق ببني الإنسان.
ليس بالحكومة من حاجة لأن نؤكد لها أن هذه التهمة هي أشنع ما رميت به حكومة في الدنيا، ونطلب إلى نظارة الداخلية أن تحقق تصرف مصلحة السجون وتنشر على الناس العناصر الداخلة في تركيب هذا الخبز ليطمئنوا على أن الرفق والقانون كليهما آخذ نصيبه في السجون.
من أجل ذلك نطلب الدستور1
طلبنا الدستور ونطلبه لتكون الوزارة مسئولة عن تصرفاتها مسئولية، ذات أثر فعلي أمام المجلس لتكون الأمة في أمن على حقوقها وحريتها، فلا ينفى أحد من السودان من الليمان أو من غير الليمان إلا بحكم قضائي بالأوضاع القانونية.
وطالما قيل عنا إننا نقول بسلطة الأمة لمجرد تقليد الأمم المتمدنة، نقول بذلك ونطلب الدستور؛ لنتخذه زخرفا، ولنرضي شهواتنا من العزة المجردة عن كل منفعة حقيقية، يقولون ذلك، ويقولون: إن المصريين في أمان الله، لهم حكومة عادلة، وإن كانت غير دستورية بالقانون، إلا أنها لفرط عدلها وتناهيها في العفة وبعدها عن الاستبداد كالحكومة الدستورية أو أقوم سبيلا، فيها منافع الحكومة الدستورية وليس فيها أضرار البطء في سير الأعمال ولا المشاغبات الحزبية التي تؤدي في كثير من الظروف إلى ضرر البلاد، حكومة هي المثل الأعلى للحكومات؛ لأن فيها شدة الحكومة المستبدة، وعدل الحكومة النيابية، فماذا ينقص المصريين إلا الفخفخة والمباراة بأنهم أمة ذات حكومية دستورية، وإلا فإن الأمة المصرية متمتعة فعلا بنتائج الدستور لها غنم الحكم العادل وليس عليها منه شيئا من المسئولية.
لو كان ذلك صحيحا لرضينا بحالنا كارهين، فماذا يكون شأننا والأمثلة اليومية في أعمال الحكومة لا تزيدنا إلا اقتناعا بالحاجة إلى الدستور، نتخذه، لا زينة في الحياة، ولكن مرقاة للتقدم وأمانا من الاستبداد.
ها نحن أولاء أمام تصرف من أحدث تصرفات الحكومة عهدا وأشدها أثرا في الطمأنينة على الحرية الشخصية وادعاها إلى التظنن في تطبيق القوانين، ذلك الممثل هو نفي المسجونين إلى السودان من غير حكم النفي وفي غير حدود القانون.
Bilinmeyen sayfa